وأتاحت الصحافة لهذه اللغة المصرية الجديدة أن تنتشر لا في مصر وحدها؛ بل في العالم العربي جميعه؛ إذ يقبل عليها الجمهور القارئ في البلاد العربية في الأردن ولبنان وسوريا والعراق والحجاز والسودان وبلاد المغرب. فأصبحت اللغة الأدبية المصرية هي اللغة الشائعة في البلاد العربية، وتفوقت على كل ما قابلها من لغات، وكان لذلك أثره في أن تصبح مصر زعيمة الشرق العربي، وأن يكون لها بين البلاد العربية مكانة ممتازة في الأدب والثقافة.

وأقبلت البلاد العربية تقرأ لأدبائنا لا ما يكتبونه في الصحف فحسب؛ بل ما يكتبونه أيضًا في الكتب والآثار المختلفة. فلم يصبح أدبنا متاعًا خاصًّا بنا؛ بل أصبح متاعًا مشتركًا بينا وبين العالم العربي، وتبع ذلك شيوع لغتنا العلمية في هذه الديار التي أصبحت سوقًا كبيرة لكل ما ننتجه في الحياة الأدبية والعلمية.

على أن الصحابة بين الحربين إن كانت قد أعطت أدبنا كل هذه المميزات، فإنها تجنت عليه من بعض الوجوه، ولعل أول ما يلاحظ من ذلك أنها عملت على السرعة في إنتاجنا الأدبي، حتى أصبحت هذه السرعة من أهم خصائصه، وهي سرعة دفعت إلى السطحية في بعض جوانبه، ومرجعها إلى وقت الصحيفة التي تصدر فيه، فهي لا تستطيع الانتظار؛ بل لا بد للكاتب أن يسرع حتى تنشر مقالته في أول عدد، وقد قُيِّدت حريته الشخصية إلى حد ما، فهو لا يستطيع أن يكتب ما يخالف رأي الصحيفة، وقيدت حريته الأدبية، فهو لا يستطيع أن يكتب كما يريد؛ بل له في الصحيفة نهر أو نهران، وليس له أن يزيد ولا أن ينقص سطورًا.

ولم يتحكم رؤساء التحرير للصحف في السرعة وحدها ولا في الحرية الشخصية والأدبية وحدهما؛ بل تحكموا أيضًا في الموضوع، فليس للأديب أن يكتب في أي موضوع يشاء؛ بل عليه أن يكتب في الموضوعات المقترحة التي كان يفرضها قلم التحرير. وكان عليه أن يخفف أسلوبه حتى يكون أسلوبًا صحفيًّا، يفهمه الجمهور بدون عناء ولا مشقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015