والحق أن هؤلاء المجددين من أدبائنا أحدثوا في لغتنا مرونة واسعة، وقد أخذت جماعتهم تتكاثر؛ إذ أخذت تدخل فيها عناصر من الشباب الذي حذق اللغات الأجنبية، وفهم في وضوح الآداب العربية من مثل: توفيق الحكيم ومحمود تيمور وغيرهما، ممن أجبروا اللغة العربية وما فيها من صلابة على اللين والعذوبة.
وعلى هذا النحو أصبحنا بين الحربين الأولى والثانية في هذا القرن نملك أدبًا جديدًا، وهو أدب لم يقف عند المقالة أو عند قصة ناقصة التأليف؛ بل أصبحت المقالة فيه أكثر غنًى وتنوعًا، سواء في السياسة أو في الأدب، وكتَبْنا قصصًا ومسرحيات كاملة التأليف، ففيها الحبكة وفيها العقدة، وفيها التسلسل الروائي الدقيق. وكل ذلك يعرض أدبًا مصريًّا جديدًا في لغة عربية فصيحة.
وكان طبيعيًّا في هذه الحركة التي خَلقتْ لنا هذا الأدب المصري الخالص أن يدعو بعض نقادنا إلى تمصير أدبنا، وأن نتجه فيه اتجاهًا قوميًّا، وأبلى هيكل في هذا الاتجاه بلاء واسعًا، فقد نشر كثيرًا من المقالات فيه، وجمعها في كتابه "ثورة الأدب"، وفيها ذهب في صراحة إلى أنه ينبغي أن نلتمس مصادر أدبنا المصري الحديث في الأدب الفرعوني القديم، فندرس تاريخنا وأساطيرنا، ونستلهم منهما في أدبنا، ووضَع عدة قصص استوحى فيها تاريخ الفراعنة وأساطيرهم.
ولكن هذا الاتجاه القومي لم ينجح، فإن أدباءنا اتجهوا اتجاهًا أوسع، أفادوا من هذا الاتجاه الذي دعا إليه هيكل؛ ولكنهم لم يقصروا أنفسهم عليه؛ بل بسطوها على تراثنا كله من فرعوني ومن عربي إسلامي، ونفس هيكل ابتغى فيما بعد الحياة الإسلامية الخالصة، واتخذ منها مصدرًا لأعماله الأدبية، وبدأ في ذلك بصاحب الرسالة الإسلامية، فكتب عنه كتابه "حياة محمد"، وتلاه بكتابين عن أبي بكر وعمر.
وأكبر الظن أن مرجع ذلك إلى أسس هذه الحركة المجددة، فهي ليست حركة هادمة؛ وإنما هي حركة بانية، وهي تبنى على القديم العربي، تبنى عليه في اللغة إذ تحتفظ بإطارها العام، وتبنى عليه في الموضوع، فتدرس تاريخنا القديم، وتستوحي عناصره الإسلامية وغير الإسلامية، كما تدرس حياتنا