نطلق هذا القول إطلاقًا عامًّا، فقد كان لا يزال يوجد محافظون يتأثرون في كتابتهم بالسجع وما يتصل به من البديع، وكانوا قليلين؛ ولكنهم ظلوا قائمين في حياتنا الأدبية منذ ثورتنا اللغوية التي نَحَّت هذه العوائق بعيدًا عن الأسلوب الفصيح، وظلنوا ينتجون آثارًا تخضع لذوقهم المحافظ, لا في القرن الماضي فحسب؛ بل أشواطًا من هذا القرن.

وكان يوجد ثائرون على اللغة العربية، لا في صورتها المعقدة عند أصحاب السجع والبديع فقط؛ بل أيضًا في صورتها السهلة الميسرة عند أصحاب الأسلوب المرسل، وكانوا يرون أن من الخير أن نهجرها جملة ونستخدم مكانها لغتنا العامية. وظهر هذا الاتجاه قويًّا عند من تثقفوا بالآداب الغربية، فقد رأوا أصحاب هذه الآداب يهجرون في عصر النهضة اللغة اللاتينية التي كانوا يعبرون بها عن أفكارهم وعواطفهم، ويتخذون مكانها لغاتهم المحلية، وأنشئوا بهذه اللغات آدابهم المختلفة من فرنسية وإنجليزية وغير فرنسية وإنجليزية. فقالوا: ما لنا وللغة قديمة ليست لغتنا ولا ملكًا لنا، ولا هي أداة طيِّعة للتعبير الحر الطليق عن عواطفنا ومشاعرنا، وها هي يبدو عجزها عن أداء المعاني الغربية الكثيرة التي نريد أن نؤيدها؟ وقالوا أيضًا: إنها ليست اللغة المصرية الصميمة؛ بل هي منا كاللغة اللاتينية من الأوربيين، فلن يقدر لها البقاء، بل لا بد أن تحل محلها اللغات العامية في البلاد العربية المختلفة. وكان ممن يدافع عن هذا الاتجاه محمد عثمان جلال الذي ترجم بعض روايات موليير إلى لغتنا الدارجة، فاتسعت هذه الدعوة، ولا يزال لها أنصار إلى يومنا الحاضر.

ولم تنجح حينئذ لأسباب بعضها سياسي وبعضها ديني وبعضها أدبي خالص، فقد دعا بعض الإنجليز إليها في محاضرات عامة بمصر وفي بعض كتاباتهم، كما دعا إليها بعض المستشرقين، فأحس الشعب وأدباؤه خطرًا فيها، وأنها إن صحت كانت كارثة سياسية يريدها المحتل، حتى تنسى الأمة ماضيها العربي والإسلامي. وأيضًا فإن هذه اللغة العربية التي يدفعها محمد عثمان جلال وإخوانه لغةُ القرآن الكريم، أو بعبارة أخرى: لغةٌ مقدسةٌ يقدسها الشعب. فكان صعبًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015