إلى تصريح 28 من فبراير سنة 1922، وفيه احتفظوا ببعض المسائل؛ كمسألة السودان، ومسألة الدفاع عن مصر.

ولم يُضعف هذا التصريح من حدة الثورة المصرية على الإنجليز؛ بل ما زالت مصر تضطرب بعوامل الثورة حتى وقَّعت إنجلترا معاهدة سنة 1936؛ ولكنها لم تحقق غاية مصر؛ فظلت نيران الثورة تموج في صدرها، حتى جاءها البشير بثورة الجيش المباركة، فتحقق حلمها القديم، وعادت القوس إلى باريها، وما هي إلا عشية أو ضحاها حتى طردت ثورتنا المستعمر من دارنا، وتبعته تنكل به في كل دار عربية؛ بل أيضًا في كل دار إفريقية وآسيوية، وهو ترتعد فرائصه وفرائص جماعته موليًا الأدبار، وبذلك تزعزع بنيانه، وهَوَتْ أركانه في كل مكان.

ولا بد أن نشير إلى أنه في أثناء الاحتلال الإنجليزي حاول الإنجليز جاهدين أن يَعْلوا ثقافتهم بديارنا فوق الثقافة الفرنسية وغيرها من الثقافات الأوربية، فحينًا يجعلونها لغة العلم والتعليم، وحينًا يجعلون البعثات جميعًا إلى بلادهم. وقد أقبلت على ديارنا طائفة من البعوث الدينية الغربية المختلفة، وأسست كثيرًا من المدارس في القاهرة والإسكندرية وغيرهما من عواصم القطر المصري، وكان لها أثرها في حياتنا الثقافية.

وهذه البعوث الدينية كانت أكثر نشاطًا في سوريا ولبنان، سواء منها الكاثوليكية الفرنسية والبروتستانتية الأمريكية، إلا أن الأُولى كان مدى عملها أوسع بفضل اليسوعيين الذين عُنوا باللغة العربية وحياتها الأدبية. وقد أخذت طوائف لبنانية وسورية كثيرة تهاجر إلى مصر منذ عصر إسماعيل؛ فرارًا من ظلم الأتراك، أو سعيًا وراء الرزق، ولم تلبث هذه الطوائف أن شاركت في حياتنا الأدبية عن طريق الصحف مثل: الأهرام، وطريق الكتب والمؤلَّفات والمترجمات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015