لاحتلال إنجليزي بغيض، وبدا للعِيَان أن حاكمها من أسرة محمد علي لا يمت إليها بصلة جنسية ولا قومية، فهي ليست أكثر من بقرة حلوب يمتصها الأجنبي عن طريقه. وحُكمت مصر بالمستشارين الإنجليز، وكان يتولى وزارتها مصريون؛ ولكن أكثرهم كان من أصول تركية. وكانت سياسة الإنجليز أن يحكموا هؤلاء الوزراء بمستشارهم وموظفيهم في الوزارات أو النظارات المختلفة. وأنشئوا مجالس تشريعية؛ ولكنها كانت مغلولة السلطان، ولم يكن لها من الأمر شيء.
على أن هذا الاحتلال التعس لم يقضِ على الحركة الوطنية قضاء مبرمًا، فقد خمدت ولكن إلى حين؛ إذ كانت قد نشأت طبقة المصريين المستنيرة، وأخذت تشارك في الحكم وتتقلد مناصبه الكبرى، ورجع المنفيون إلى مصر في عهد عباس الثاني، ونشطت الحركة الوطنية ممثَّلة في الزعم الخالد مصطفى كامل، فأصدر في سنة 1899 صحيفة اللواء، واتخذ منها ومن خُطَبه النارية أداة لإلهاب عواطف المصريين ضد الإنجليز، وأسس الحزب الوطني، وزار كثيرًا من عواصم أوربا يعرض قضية مصر، ويندد بالاحتلال الإنجليزي غير المشروع.
ثم كانت حادثة دنشواي المعروفة سنة 1906، وهي تلك التي تُوفِّي فيها ضابط إنجليزي كان يصطاد الحمام بهذه البلدة إثر ضربة شمس. وظن الإنجليز أن أهل هذه البلدة قتلوه، فأنزلوا بهم عقابًا وحشيًّا فظيعًا؛ إذ نصبوا المشانق في البلدة، فشنقوا طائفة، وسجنوا أخرى، ونزلوا بالسياط على ثالثة، وكانوا جميعًا أبرياء؛ ولكنه طغيان الباغي الذي لا يعرف رحمة ولا شفقة، وقابل الشعبُ هذا الحادث -ومعه زعيمه مصطفى كامل- بالاستياء الشديد، وبدا لرأي العين أن المصريين لا يزيدهم الإرهاب إلا حقدًا وسخطًا على المحتل الغاصب.
وتمادى الإنجليز في عنتهم وظلمهم وسجونهم وتضييق الخناق على حريات المصريين، حتى كانت الحرب الأولى فأعلنوا الأحكام العرفية، ووضعت الحرب أوزارها فثار عليهم المصريون ثلاث سنوات طوالًا، ولم يفل من عزمهم نفي ولا تشريد ولا سجون؛ بل ظلوا يحادُّونهم ويعاندونهم، حتى اضطروهم