عنده جمال الأسلوب الشعري المصفى، حتى لكأنه ناي يصدح أو قيثارة تشدو وتغني.
وهو لا يهدف إلى رسم صورة الطبيعة أو الريف المصري من حيث هو؛ إنما يهدف إلى وصف شعوره وحسه وحيرته في الحياة، مازجًا ذلك في أغلب الأحيان بحبه. وربما كانت أجمل قصائده في هذا الديوان قصيدته "غرفة الشاعر"، وهو يستهلها على هذا النمط:
أيها الشاعر الكئيب مضى الليـ ... ـل وما زلتَ غارقًا في شجونك
مسلما رأسك الحزين إلى الفكـ ... ـر وللسُّهْد ذابلات جفونك
ويد تمسك اليراع وأخرى ... في ارتعاش تمر فوق جبينك
وفم ناضب به حر أنفا ... سك يطغى على ضعيف أنينك
ومضى يصور سراجه الشاحب وعبء عبقريته الشاعرة وما يتردد في نفسه من حزن لعدم تقدير مواطنيه له.
ونشر بعد هذا الديوان "ليالي الملاح التائه" بنفس الروح وبنفس الشخصية، وهو يستهله بأغنية "الجندول" التي تَذيع في عصرنا على كل لسان، فقد غناها عبد الوهاب. وهي من خير الأمثلة التي تدل على مهارته في استخدام الألفاظ الشعرية، فإنك إذا حللتها لم تجد فيها فكرًا عميقًا ولا واسعًا؛ وإنما تجد الألفاظ البراقة التي تروعك وتأسر لُبَّك.
والقصيدة في وصف "كرنفال فينسيا"؛ إذ يحتفل أهلها بعيد سنوي لهم ينطلقون فيه بشوارعها المائية في سفن، يسمون واحدتها "الجندول" فيغنون ويمرحون. وفي هذا الديوان قصيدة أخرى في بحيرة "كومو" الإيطالية وقصيدة في "خمرة نهر الرين". وجميعها قصائد أوحتها زياراته لأوربا ومواطن الجمال في بلدانها المختلفة. ومن أروع قصائده في هذا الديوان "الموسيقية العمياء". وهي فتاة رآها بمطعم في القاهرة على رأس إحدى الفرق الموسيقية، فأثَّر فقد بصرها في نفسه تأثيرًا عميقًا، صوره في تلك القصيدة تصويرًا رائعًا. ونظم قصيدة سماها "سيرانادا مصرية" والسيرانادا عند الأوربيين أغنية يشدو بها العشاق على الناي