في دنياه.
وكنا نود لولم يسلك في هذا الديوان كثيرًا من أشعار المناسبات التي اضطرته إليها المجاملات، حتى يكون كامل التعبير عن هذه الشخصية الفذة التي يصرخ الألم والحزن في أعماقها. ولعل من الغريب أن نجد عنده أحيانًا دعابات مثل قطعته "هجو شاعر"، وهي أيضًا من باب المناسبات، ولا تتصل بالنغم الأساسي للديوان.
ونمضي في ديوانه الثالث "الطائر الجريح" الذي نُشر بعد وفاته، فنجده كديوانيه السابقين يتأوه الطعين، ولا مسعف ولا معين؛ إذ لم يعد له من حبه سوى الألم العميق، وهو يتفجر على لسانه شعرًا حارًّا ملتهبًا، شعرًا يصيح فيه كطائر جريح حقًّا، وقد تغلغلت جراحه إلى الشغاف، وكل ما حوله ينذر بالحزن والهم، يقول في قصيدته "قصة حب":
يا للمقادير الجسام ولي ... من ظلمها صرخات مجنون
باكي الفؤاد مشرَّد الأمل ... وقف الزمان وبابه دوني
لقد سُدَّت أمامه جميع أبواب الأمل في استعادة حبه، ولم يبقَ له منه إلا صرخات وإلا ذكريات كأنها حديث خرافة، أو كأنها أضغاث أحلام، يقول في "بقية القصة":
حلم كما لمع الشهاب توارى ... سدلت عليه يد الزمان ستارا
وحبيس شجو في دمي أطقلته ... متدفقًا ودعوته أشعارا
فقد ولَّى حبه أو حلمه، ولم يعد له منه إلا أشباح الهجر وأطياف الحرمان تمر به مواكبها صاخبة، وقد مدت من حوله قضبان سجن مظلم يشكو فيه غربته ووَحْدَته وحبه الشقي التعس، واقرأ قصائده: "بقايا حلم" و"في ظلال الصمت" و"ظلام" و"الطائر الجريح" فستراه يصور لك لوعته في هذا الحب؛ بل احتراقه في لهيبه كفراشة، يقول في القصيدة الأخيرة: