ب- شعره:
لعل عصرنا لم يعرف شاعرًا كثر إنتاجه الشعري على نحو ما عرف ذلك عند أبي شادي؛ إذ كان الشعر يتدفق على لسانه منذ نشأته تدفقًا. وأتاحت له ثقافته الواسعة بالآداب الغربية أن يطلع على أنواع الشعر هناك من قصصية وغنائية وتمثيلية، وعلى مذاهبه من واقعية ورومانسية ورمزية. ومن ثم مضى يتأثر في شعره بكل هذه الأنواع والمذاهب، وإن كنا نلاحظ غلبة المذهب الرومانسي عليه، وقد اجتمعت ظروف كثيرة دفعته إلى المعيشة الفنية فيه دفعًا؛ إذ اتصل مبكرًا بأكبر من تأثروا من شعرائنا بهذا المذهب في مطالع القرن، ونقصد خليل مطران الذي يسميه في غير قصيدة أستاذه، وهام في حداثته بفتاة تدعى زينب، غير أنها هجرته، فانسكب الألم في قلبه ومضى يتغناه إلى آخر حياته. وكان مما ضاعفه في نفسه البؤس الجاثم على وطنه؛ بسبب تسلط الإنجليز وظلمهم وطغيانهم، وأيضًا ضاعفته حملات شعواء على شعره، جاءته من عدم تأنيه في صنعه. فعاش يجتر الألم والحزن والحب المحروم، باحثًا عن عزاء له في الطبيعة والأساطير القديمة.
ومما لا شك فيه أن أبا شادي بثقافته الواسعة ومواهبه الشعرية كان معدًّا لأن يحتل منزلة رفيعة في شعرنا المعاصر غير أنه كان متعجلًا، لا يستقر عند موقف في الحياة ولا في الشعر؛ بل ينتقل من موقف إلى موقف في سرعة شديدة، وهي سرعة أصابت معانيه بالضحولة وحالت بينه وبين الافتنان في الفكر والخيال؛ ومن ثم كانت كثرة أشعاره مغسولة من كل وميض للذهن إلا ما جاء نادرًا وفي الحين بعد الحين، ولم يأته ذلك من سرعته في نظم الشعر وحدها؛ بل أتاه أيضًا من أنه وزع نفسه في اتجاهات الشعر المختلفة على شاكلة توزيعه لها في حياته العملية؛ بحيث كانت له شخصيات متعددة، فهو طبيب وهو بكتريولوجي، وهو يهتم بتربية الدجاج وبمملكة النحل، كما يهتم بتأسيس الجمعيات المختلفة