وأما الحفظ والتعهد، فهو تمام الدرك؛ لأن الإنسان موكل به النسيان والغفلة؛ فلا بد له إذا اجتبى1 صواب قول أو فعل من أن يحفظه عليه ذهنه لأوان حاجته.
وأما البصر بالمواضع، فإنما تصير المنافع كلها إلى وضع الأشياء مواضعها، وبنا إلى أهل كله حاجة شديدة, فإنا لم نوضع في الدنيا موضع غنى وخفض2, ولكن بموضع فاقة وكد، ولسنا إلى ما يمسك أرماقنا3 من المأكل والمشرب بأحوج منا إلى ما يثبت عقولنا من الأدب الذي به تقاوت العقول, وليس غذاء الطعام بأسرع في نبات الجسد من غذاء الأدب في نبات العقل, ولسنا بالكدِّ في طلب المتاع الذي يلتمس به دفع الضرر, والغلبة, بأحق منا بالكد في طلب العلم الذي يلتمس به صلاح الدين والدنيا.
ما وضع في هذا الكتاب:
وقد وضعت في هذا الكتاب من كلام الناس المحفوظ حروفًا فيها عون على عمارة القلوب, وصقالها, وتجلية أبصارها، وإحياء للتفكير وإقامة للتدبير، ودليل على محامد الأمور, ومكارم الأخلاق إن شاء الله!