الصواب، ولكن الكثير منها كان مبنيًّا على الحقائق وربطها معًا واستنباط النتائج، وقد نحمل ذلك الخطأ على محملين: محمل الجهل وعدم الدراية بطبيعة العصر وطبيعة عقلية أهله، ومحمل التحامل والتعمّد للإساءة إلى اللغة وأهلها, ولعل في هذا الرأي الذي نسوقه لأحدهم مدافعًا عن علم الرواية الشفوية خير دليل على موضوعية بعضهم, يقول أوجست شبرنجر: "علم الرواية الشفوية خاصية اختص بها الإسلام, بيد أن القليلين جدًّا من المستشرقين قدَّروها حق قدرها, وفهموها كما ينبغي"1.
5- ومن الأمور الجيدة التي خدموا بها أدبنا تلك الدراسات المقارنة التي كشفت أبعادًا في أدبنا القديم، وإن بدا لنا فيها تحاملًَا؛ لأننا نزعم أن أدبنا ولغتنا لم تتأثر بآدابٍ أخرى ولا لغات أخرى، وأن هذا التأثير ينقص من قدر لغتنا وأدبنا.
وأعني بصورة خاصة: أن معرفتهم باللغات السامية الأخرى وآدابها, وبلغات الأمم المعاصرة للجاهلية, أتاحت لهم الفرصة لتلك الدراسات المقارنة2.
6- وبالرغم من كل ما يقال, فإنهم أسهموا في خلق جيل من الباحثين العرب مسلَّح بأدوات المعرفة والبحث، هذا الجيل بدأ يؤتي أكله في الثلاثين سنة الأخيرة.
وإننا نزعم أنه حتى الذين حادوا منهم عن جادَّة الصواب والموضوعية، فإن لهم الفضل في خلق فريق من الباحثين العرب نذر نفسه للرد على أولئك, والدفاع عن أدبنا ولغتنا.
7- فهرسة التراث وتحديد أماكن وجوده في مختلف أصقاع العالم، وما عمل فؤاد سيزكين الذي يقع في مجلدات عدة, وعمل بروكلمان قبله إلّا مثلان من تلك الجهود الجبارة.
8- ترجمة بعض التراث الجاهلي إلى لغاتهم وتعريف أبناء جلدتهم به، مما خلق مجموعات تهتم به وتتأثر به, تنسج بعض الأعمال على منواله، وفي ذلك كله خدمة لتراثنا.
ولا يخطئ إلّا من يعمل، ولقد عملوا كثيرا في لغة ليست لغتهم، وأدب ليس بأدبهم، ولقد زاد من خطئهم عاملان: الجهل بأسرار اللغة والبيئة التي أنتجت