وسقوطه في الحضيض, وبذلك اقترب من الإيمان1.

وزهير، في نظر الباحث، ذو خلق جميل، مشدود برباط الإيمان دائمًا، وبلغ من إيمانه أنه خشي عقوبة الله؛ لأنه هجا بني عليم بن خباب بدون حق2, وهو يستغل حادثة غير منطقية لحثِّ المجتمع على رؤية الخطأ في نظامه الاجتماعي، فلو كان العدل هو الذي يسيره لما احتاج إلى أن يقبل هذا الأمر الغريب, وكانت تلك الحادثة هي الديات التي أخذت بغير حق؛ لأن الذي تحمّل دفعها لا ذنب له سوى حبه أن يسود الصفاء بدل الشر3.

ولقد كان زهير أليفًا لمن عرفهم واختلط بهم، مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية، وعلى أية صفة كانت علاقته بهم, وكان وفيًّا جدًّا، وليس أدلّ على الوفاء الذي فُطِرَ عليه من إصراره ردّ الراعي البسيط "يسار", وعدم حرصه على استرداد بقية ماله, وكان كذلك وفيًّا لزوجه "أم أوفى", فقد ظلّ يذكرها بأحسن ما تذكر به أنثى بالرغم من انفصالها عنه.

وكان زهير متعففًا يترفع عن الماديات في علاقاته دائمًا, وقد ظهر ذلك جليًّا في تعامله مع ممدوحيه وبخاصة هرم بن سنان4, وصفوة القول، كما يرى الباحث، أن زهيرًا يشتغل في شعره، بقضايا إنسانية بالغة الدقة والخطورة في مجتمع جاهلي بدائي كانت تسوده، إلى حد كبير، شريعة باغية قاسية، لذا احتاجت من الشاعر قدرًا كبيرًا من التجرد والتفكير لوضعها وضعًا مؤثرًا. فالشاعر متألم جدًّا للأوضاع السيئة التي ينحدر إليها مجتمعه, وقد مثّل تألمه هذا في صورة شعرية توحي بأن طريق الخلاص هي السير مع حسّ السلام الذي بدأ يتخذ جانبًا إيجابيًّا فاعلًا، ومع كل ما من شأنه ترسيخ قيمٍ أو مُثُلٍ عليا فوق الأرض. ومن هنا التقى كلام الشاعر في دعوته الإصلاحية مع الخلق الإسلامي الذي جاء بعيد موته5.

وأما البحث الرابع فهو "مدخل إلى دراسة المعنى بالصورة في الشعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015