بهذا يمهد الرد على أستاذه طه حسين الذي ادعى أن الشعر الجاهلي لا يصور إلّا حياة الأغنياء، ونسي وأغفل شعر الصعاليك, وكذلك لبيد وطرفة وغيرهم. ويتساءل على من يتكرّم أولئك الأغنياء إن لم يوجد فقراء يحتاجون إلى ذلك السخاء الذي يفخر بها أغنياء الشعراء؟
وعندما يعد للحديث عن إحساس الحادرة بجوع الجائعين, يرى أنه قد بدأ يتحرك فيه الضمير الشخصي المستقل عن كيانه الجماعي كعضو في قبيلة.
أما ميمية علقمة التي مطلعها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حلبها إذ نأتك اليوم مصروم
فقد استغرق تحليلها فصولًا ثلاثة: الثامن1: من النسيب التقليدي إلى الناقة الحبيبة، والتاسع2: الحيوان الوحشي والطبيعة، والعاشر3: فلسفة الموت والحياة.
وأول ما يستلفته نسيب علقمة الذي يسبق الحادرة بجيلين, فيرى في نسيب علقمة أنه ليس مقصورًا على المحبوبة, بل هو في حقيقته حزن على رحيل قبيلة بأجمعها، وهذا يعني أن نسيب الحادرة متطور ويمثل مرحلة متأخرة من التطور الفني4, وقاده هذا إلى القول بأن النسيب القديم قد تحوّل إلى فنٍّ جديد هو الغزل الذي هو أقل ارتباطًا بالقبيلة, وأقل اهتمامًا بتصوير رحيلها الجماعي, وأكبر تركيزًا على المحبوبة الواحدة, وأقل اهتمامًا بتفصيل ما يعانيه الشاعر من مشاعر شخصية تجاه هذه المحبوبة5.
وفي شريحة الحيوان الوحشي يسجل النويهي خصائص ثلاثًا6:
1- إن لدى الجاهلي معرفة بأحوال الحيوان الوحشي في الصحراء, ودقائق حياته ناجمعة عن خبرة طويلة ومراقبة متكررة ودراسة مشغوفة صابرة لهذا الحيوان في مختلف مراحل حياته وأحداث معيشته.