والخارجية، حتى يدرك به في أحيان كثيرة الأسطورة والمتسحيل1.
7- الفن انتخاب قبل كل شيء، فهو ينظر إلى الواقع وينفعل به، ويصهره صهرًا، ثم يؤديه تأدية جديدة تبقي على كثير من الملامح في الواقع القديم، بعد أن تصقلها وتجلوها وتحررها من الهنات التي تشوه حقيقتها2.
8- الجمال الفني هو تلك الحالة الشبيهة باللحظة الصوفية التي تنفذ بها النفس إلى غيبها وغيب الحياة والعالم, فتكشف للإنسان ما لا يقوى على اكتشافه بنفسه، وما لا يستطيع أن يدركه ويحل فيه بيقينه الخاص، وذلك أن الانفعال النفسي عندما يتعمّق ويقوى يغدو قادرًا على تخطي الحدود المرسومة لفهم الأشياء، فيلتقطها في تخوم الحلم والرؤيا في حالة وجودها الروحي الأول، قبل أن تأخذ أشكال الواقع بحدوده ومراسيمه, وتذعن لمنطقه, وتتشوه بأعراضه وجزئياته3.
9- لكي ينفذ الناقد إلى البواعث الحقيقية للتجربة الشعرية لا بُدَّ له، بالإضافة إلى إلمامه بخبايا النفس البشرية، من معرفة التيارات المهمة التي تنازعت نفسية الشاعر من خلال سيرته4, وهذا يعني أن الارتياد النفسي للقصيدة مرتبط أشد الارتباط بالسيرة, شريطة أن تقتصر منها على التيارات الجوهرية البعيدة الغور, التي أثرت في بعث التنازع والتعقد والالتباس في نفسه.
10- إن معرفة أخلاق الشاعر وطبعه تسهم إسهامًا كبيرًا في كشف حقيقة العوامل التي تتدافع وتتوالد وراء ما يسفر وينجلي من معانٍ واضحة في القصيدة, فالطبع هو الذي يؤدي إلى تنازع الشاعر مع المؤثرات الخارجية5.
11- إن السيرة تمثل الحتمية الخارجية، والنفسية أو الطبيع يمثل الحتمية الداخلية، ومن تفاعلهما تتولد التجارب القلقة التي هي مادة الشعر الأولي، وهذا النزاع بين حتمية النفس وحتمية الحياة والقدر والمصير يفجر ينابيع النفس عند معظم الشعراء6.