والشعر الجاهلي يمثل شعر شهادة على عصره، فغايته التحدّث عن الواقع ووصفه والشهادة عليه أو له، ولا يحاول الشاعر أن يرى في الواقع أكثر مما فيه, وإنما يحاول أن يراه بكل ما فيه. وهذا الشعر هو جزء هام من الأيديولوجية1, وهو يصدر عن واقع القبيلة ومناقبها وإنسانيتها في حلة شاعرية نستطيع أن نقدِّر أنها كانت مجافية لذلك الواقع رغم البرود الإشراقية التي تتلبسها, والتي تجعل الحاجة إلى الشعر أبدًا مردها أن الخليقة لم تبلغ الكمال في أي عصر. وأن شعرًا هذا شأنه "هو صنيع الإخلاص للحياة، تحدده رؤية واقعية في التماس المباشر بالعالم والإنسان على قدر ما تطيقه الحياة في تلك الحقبة التاريخية، ومن هذا التماس أخذ الواقع المأساوي شكلًا شاعريًّا ملحميًّا أو مسرحيًّا؛ لأن الحياة الصحراوية لا تستقر على حال"2.

ويذهب إلى أن محاولات قد جرت لتطوير المفهوم القبلي من خلال القبيلة, والخروج على الحياة القبيلة, وأهم هذه الظواهر الدعوة إلى السلم بين القبائل المتنازعة، وكراهية الحرب الداخلية، والرضى بالتحيكم فيما يشجر من خلاف, واستشعار كل قبيلة قدرًا من التعاطف مع القبائل الأخرى. وربما كان الإحساس بضرورة الخروج من أسار مؤسسة الثأر كان يشكّل حاجة نفسية بقدر ما كان يمثل حاجة اجتماعية3.

والظاهرة الثانية: هي الشعور بالحاجة إلى حكومة تسوس الناس وتمكِّن الفرد من التزام موقف شخصي لا يتضامن مع القبيلة في كل ما ترتكبه مما قد يخالف صوت الضمير أو العقل، وهذا دليل على أن حياة العرب بدأت تتطور، ولو ببطء، في مكوناتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية4.

ويرى الباحث في تردد الشعراء بين القبائل أو رحلة الشاعر الضرورية إشكالية انتقالية، ويفسر ذلك بأن الشاعر المداح يبقى في نظر حاميه الدافع عن مصلحة إخوانه، ولا ينفصل عن قبيلته، ولكن الجديد أن الشاعر أخذ يخدم سيدًا ترتبط فيه بالأفضلية مصلحته وثروته5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015