هؤلاء «وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها» (?) وبذلك أمّن النبي صلّى الله عليه وسلم كل السبل لحماية المدينة وسكانها.
واعتبرت المدينة حرما فنصت الصحيفة «وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم، وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها» (?) والحرم لا يحل انتهاكه وبذلك أصبحت المدينة بحدودها- وهي يومئذ تمثل دولة الإسلام- محرمة كما هي مكة.
ثم جعلت الصحيفة النبي صلّى الله عليه وسلم الرئيس الأعلى للدولة فهو يفصل في الخصومات الداخلية «وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عزّ وجل وإلى محمد صلّى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة» (?) .
ويلاحظ أن الصحيفة ختمت بتأكيدات أخرى وجب الالتزام بها «وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره» (?) ، ثم أمّن أهل الصحيفة جميعا «وأنه من خرج امن ومن قعد امن إلا من ظلم وأثم، وأن الله جار لمن بر واتّقى، ومحمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» (?) .
ويفترض أن يكون زمن انتهاء مفعول هذه الصحيفة هو بعد غزوة الخندق (سنة 5 هـ) إذ بعدها أخرج الرسول صلّى الله عليه وسلم اخر قبائل اليهود بني قريظة (سنة 5 هـ) فلم يعد معنى للحلف مع اليهود، كما أن صلح الحديبية (سنة 7 هـ) فتح الباب أمام الرسول صلّى الله عليه وسلم للتحالف مع من شاء من القبائل (?) ، وبعد فتح مكة (سنة 8 هـ) توسعت الدولة لتشمل الجزيرة العربية كاملة وهذا يتطلب اخر عاما لا تنظيما إقليميّا محليّا.
ويتضح مما سبق أن إدارة الرسول صلّى الله عليه وسلم في المدينة كانت تهدف إلى تكوين أمة مترابطة، للأفراد فيها حرية العمل وإبداء الرأي، وللسلطة المركزية حق إدارة الأمن والقضاء والحرب والسلم على أن تكون التقوى والأخلاق الفاضلة أساس أعمالهم وتصرفاتهم.
وبهذا النص المكتوب استكملت عناصر تكوين الدولة وفق مفهوم الدولة الحديث القائم على أركان ثلاثة هي: الأمة والأرض والسيادة الداخلية والخارجية على أرضها وشعبها.