تذكر المصادر أن قريشا حاولت بشكل ما وبصورة حازمة أن تقف أمام هذا التغير الذي يدعو إليه محمد صلّى الله عليه وسلم وذلك بكل ما أوتيت من قوة (?) ، ويشير ابن سعد (ت 230 هـ) إلى محاولة مبكرة من زعماء قريش لإيقاف دعوة النبي باغتياله والتخلص من الدعوة والداعية فيقول: «فقالوا: وما خير من أن يغتال محمد (?) ولكن أبا طالب وقف بحزم تجاه هذه المحاولة المكية، إذ جمع فتيان بني هاشم وبني المطلب ثم طلب منهم أن يتسلح كل منهم بحديدة صارمة ثم قال لأهل مكة: والله لو قتلتموه ما بقّيت منكم أحدا حتى نتفانى نحن وأنتم، فانكسر القوم» (?) . ويبدو أن هذا الحزم من قبل أبي طالب (ت 3 ق. هـ) جعل أهل مكة- بعد ذلك- يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على قتل النبي صلّى الله عليه وسلم.
كانت خطة النبي صلّى الله عليه وسلم في هذه المرحلة ألّا يصطدم أصحابه مع مشركي مكة، ونزلت الاية القرانية تؤيد هذا الاتجاه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [النساء: 77] (?) . وربما كانت الحكمة في ذلك أن هذه الفترة كانت فترة تربية وإعداد ومحاولة تربية نفس العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه أو من يلوذ به، وكذلك فإن الدعوة السليمة كانت أشد أثرا في مثل بيئة قريش. والتي قد يدفعها القتال إلى زيادة العناد وإلى نشأة ثارات دموية جديدة وتجنب إحداث مذبحة ومقتلة في داخل كل بيت؛ إذ لم تكن هناك سلطة نظامية تعذب المؤمنين وتفتنهم، إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء أمورهم، وإذا ما عرفنا أن النخوة العربية في بيئة قبلية من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يتحمل الأذى ولا يتراجع، وأن أعداد المسلمين حينذاك كانت قليلة، وانحصارهم في مكة يعني أن الصدام يؤدي