الفصل السادس إدارة شؤون القضاء
قام النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بموجب ما ورد من ايات تأمر بذلك، يقول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... [ال عمران: 110] وقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [ال عمران: 104] (?) وقد أصبحت هذه المهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بعد ولاية مستقلة تسمى ولاية «الحسبة» .
والحسبة- بهذا المفهوم- وظيفة إدارية مارسها النبي صلّى الله عليه وسلم بنفسه، وقلدها غيره (?) ، يروي مسلم (ت 261 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يتجول في أسواق المدينة للمراقبة. وأنه مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: «يا صاحب الطعام ما هذا؟» فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟» ثم قال: «من غش فليس منا» (?) . وذكر البخاري (ت 256 هـ) قول ابن عمر (ت 73 هـ) : «أنهم كانوا- أي الصحابة- يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبعث إليهم من يمنعهم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم» (?) ، وذكر مسلم (ت 261 هـ) قول سالم بن عبد الله أن أباه قال: «وقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون في أن يبيعوه في مكانهم، وذلك حتى يؤووه إلى رحالهم» (?) فكانت مراقبة الأسواق جزا من مهام المحتسب، وفي فترة لاحقة استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم بعض أصحابه للقيام بهذه المهمة، فاستعمل سعيد بن العاص بن أمية (ت 9 هـ) على سوق مكة بعد الفتح (?) ، وكان أول موظف محتسب في الإسلام، كما استعمل