ونظر النبي صلّى الله عليه وسلم المظالم- بهذا المفهوم- في قصة خالد بن الوليد حين قتل مقتلة من قبيلة جذيمة بعد أن أعلن أهلها الخضوع، فاستنكر النبي صلّى الله عليه وسلم ذلك العمل وأرسل علي بن أبي طالب ليرفع المظلمة عن هذه القبيلة، فدفع دية قتلاها، لكون القتل وقع خطأ (?) ، وكذلك عزل النبي صلّى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) عن البحرين بعد أن شكاه أهلها، وولى بدلا عنه أبان بن سعيد وقال له: «استوص بعبد القيس خيرا، وأكرم سراتهم» » .
وهكذا يتبين أنه لم يكن هناك في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم ولاية مستقلة للمظالم، وما ورد من إشارة عند ابن عبد ربه (ت 328 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم: كان قد استعمل أبا سفيان على نجران فولاه الصلاة والحرب، ووجه راشد بن عبد ربه السلمي أميرا على المظالم والقضاء (?) لم تؤيدها المصادر الاخرى، ولكن إن صح الخبر، فإنّ هذا يؤيد ما قلناه من أنه لم يكن هناك ولاية مستقلة للمظالم، بل كانت ضمن ولاية القضاء، فكان الرسول صلّى الله عليه وسلم وولاته يقومون بأنفسهم برفع مظالم الرعية والنظر فيها، يقول ابن العربي (ت 543 هـ) : «هذه ولاية المظالم أحدثها من تأخر من الولاة لفساد الولاية وفساد الناس، وهي عبارة عن كل حكم يعجز عنه القاضي، وينظر فيه من هو أقوى يدا منه» (?) .