يمكن لأحد أن يجمع هذه الرسائل المرسلة إلى الجهات المختلفة إن لم يكن هناك صورة محفوظة منها لدى الصحابة.
ولعل من المفيد أن نذكر أن عمر في خلافته كان يحتفظ بجميع المعاهدات والمواثيق التي أخذت من الأشخاص المرموقين (?) ، حتى ما مضى على وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم ربع قرن حتى أصبح في المدينة «بيت القراطيس» الذي كان ملصقا بدار عثمان»
، وهو ما يمكن تسميته بأمانة السّر للدولة الإسلامية.
وراعى النبي صلّى الله عليه وسلم كون الرسائل الرسمية لا تقبل إلا إذا كانت مختومة، فاتخذ النبي صلّى الله عليه وسلم خاتما، ثم أمر ألّا ينقش على نقشه أحد حتى تتميز المراسلات الرسمية، ولا تخضع لعمليات التلاعب والغش والتزوير، ويتضح هذا من رواية البخاري (ت 256 هـ) من قول أنس بن مالك (ت 91 هـ) : اصطنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاتما فقال: «إنا قد اصطنعنا خاتما، ونقشنا فيه نقشا فلا ينقشن عليه أحد» (?) .
ويظهر أن حفظ الخاتم أصبح وظيفة إدارية يقوم بها أحد الصحابة، ذكر ابن عبد البر (ت 463 هـ) في ترجمته لمعيقيب بن أبي فاطمة قال: «كان على خاتم النبي صلّى الله عليه وسلم يحفظه» (?) ، وهذا ما يدل على حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم على الإفادة من الوسائل والرسوم المعاصرة ما دامت لا تتعارض وأحكام الشريعة وروحها العامة.
ونتخلص من الروايات التي بين أيدينا أن الرسول صلّى الله عليه وسلم أرسل بعض الرسائل مغلقة وختم على ظهر الرسالة بحيث تصبح مغلقة، فلا يفتحها إلا صاحبها، ذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص (ت 43 هـ) إلى جيفر وعبد ابني الخلندي. قال عمرو: «فدخلت عليه فدفعت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه وقرأه» (?) . والظاهر أنهم كانوا يطوون الكتاب ويجعلون عليه شيئا رطبا كالعجين