صلح الحديبية (?) . وكان المكسب الأكبر الذي حققه النبي صلّى الله عليه وسلم من مكاتباته تلك أنها جاءت حملة إعلامية على النطاق الدولي لإظهار أن الإسلام للناس كافة (?) .
وقد نهج النبي صلّى الله عليه وسلم في اختيار رسله أمرا لا يخرج عن المألوف والعرف الجاري لدى الدبلوماسية الحديثة، من تبادل السفراء، ومراعاة الأناقة، وجمال الخلقة، والكفاات الممتازة بصفتهم ممثلين لأمتهم؛ ولذلك فإن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، ويشير إلى ذلك ابن قتيبة (ت 276 هـ) بقوله: «إن جبريل كان يجيء على صورة دحية الكلبي؛ لأن دحية كان من أجمل أهل زمانه، وأحسنهم صورة» (?) ، وهذا يصدق على بقية رسله فكان معاذ بن جبل (ت 19 هـ) ، وأبو موسى الأشعري (ت 32 هـ) وعبد الله بن حذافة، وعمرو بن العاص (ت 43 هـ) وغيرهم من «أعقل الصحابة وأجملهم صورة، وأحسنهم حديثا، وأطلقهم لسانا وقوة حجة» (?) وكان هؤلاء الرسل من أولئك المشهورين في المجتمع الإسلامي الذين نبهوا في العلم أو الكتابة أو الإدارة (?) ، وقد بلغ من حرص النبي صلّى الله عليه وسلم على قواعد الدبلوماسية هذه أن قال: «إن أبردتم إليّ بريدا، فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم» (?) .
وعبر العرب عن هذه القواعد في أشعارهم وأقوالهم، فقال أحدهم:
إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه (?)
وقال اخر:
إذا أرسلت في أمر رسولا ... فأفهمه وأرسله أديبا
فإن ضيّعت ذاك فلا تلمه ... على أن لم يكن علم الغيوبا (?)