تمهيد
إن البحث في النظام الإداري للدولة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم يتطلب الرجوع إلى مصادر متنوعة، في طليعتها القران الكريم وتفسيره، والحديث وشروحه، والسير والتاريخ (الطبقات، التراجم، الأنساب) ، والفقه والأدب والجغرافية، وقد أفيد من هذه المصادر جمعيا وبدرجات متفاوتة، وبخاصة مصادر التفسير والحديث والسير والفقه.
فقد أفادت مصادر التفسير في توضيح كثير من الإشارات القرانية التي وردت كقواعد عامة لتنظيم المجتمع الجديد (?) ، حيث أشار القران إلى مجموعة من الوظائف في مكة قبل الإسلام، مثل: السقاية، والرفادة، والعمارة، والنسيء، والأيسار، وكذلك أشارت الايات إلى إيلاف مكة وتجارتها قبل الإسلام، ثم ذكر بعض المعلومات الأولية عن الشورى، والعدل، والطاعة، كقواعد وأسس للنظام السياسي الإسلامي، ثم نزلت ايات تبين أحكام الأمور المالية، مثل: الغنائم وتوزيعها، والجزية، والفيء، والزكاة ومصارفها، ولكن بقيت هذه الايات عبارة عن إشارات عامة جاءت الأحاديث النبوية (القولية والفعلية) لتفسير وتوضيح أحكام هذه القواعد؛ ولذا نجد أن المفسرين قد اعتمدوا كثيرا على الحديث النبوي وأقوال الصحابة- الذين عاصروا وشهدوا هذه الفترة- في تفسير الايات، وقد أفدت فوائد جمة من تفسير الطبري (ت 310 هـ) (?) ، والكشاف للزمخشري (ت 538 هـ) (?) ، وتفسير الرازي (ت 606 هـ) (?) ، والجامع لأحكام القران للقرطبي (ت 670 هـ) (?) ، والدر المنثور للسيوطي (ت 911 هـ) (?) .
وقدمت كتب الصحاح في الحديث معلومات رئيسية وقيمة أفادت في فصول الرسالة كلها، ولا سيما فصلي الإدارة المالية، وإدارة شؤون القضاء، حيث اعتمدت على الروايات الصحيحة الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان المحدثون قد قاموا بدراسة سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم ووضعوها في كتبهم تحت باب سموه (المغازي والسير) أدمجوا فيها الأحاديث الموثوق بصحتها، والتي يمكن للمؤرخ الوثوق بصحتها والاعتماد عليها في