يجوز لنا أن نطلق عليه (كتاب التعيين) ، يطلب فيه من القبيلة أن تطيعه ولا تخالف أمره، ويفترض أن جميع هذه القبائل التي بعثت وفودا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قد ولي عليها النبي رجلا يدير أمرها، وما ذكر سابقا يعطي صورة أولية عن وضع القبائل الاخرى في الجزيرة وعلى حدود فارس والروم.

لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يتخير أمراءه من الصحابة الذين اشتهروا بالعلم والكفاية والكفاءة والجاه والسلطان ولديهم المقدرة على بعث الإيمان في قلوب من يرسلون إليهم (?) ؛ لأن مهمة هؤلاء لم تكن إدارية فقط، بل كانت مهمة دعوية تعليمية فهم يعلمون الناس الإسلام ويؤمونهم في الصلاة.

لقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم في اختياره لهؤلاء الأمراء يغلب اعتبارات الكفاءة على اعتبارات السن أو الغنى أو غير ذلك. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم لا يخضع لتأثير الضغوط، لتغيب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، ويتضح هذا من عدة حوادث، فهذا العباس (ت 32 هـ) عم النبي صلّى الله عليه وسلم حين طلب أن يوليه ولاية قال له النبي صلّى الله عليه وسلم بكل صراحة ووضوح: «يا عم رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والاخرة» (?) وطلب رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم عملا فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنا لا نستعمل على عملنا من أراده» (?) ، وكذلك أجاب أبا ذر الغفاري (ت 24 هـ) حين سأله قائلا: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها، وأدّى الذي عليه فيها» (?) وفي رواية لمسلم (ت 261 هـ) في الصحيح قال: «إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمّرنّ على اثنين، ولا تلينّ مال يتيم» (?) ، فرغم سبق أبي ذر في الإسلام ومكانته العظيمة التي عبر عنها النبي صلّى الله عليه وسلم بقوله: «ما أقلت الغبراء وما أظلت الخضراء رجلا أصدق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015