: «لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنْ أَرْقَى وَاسْتَرْقَى» إسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ " عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَبَقَكُمْ الْأَوَّلُونَ بِالتَّوَكُّلِ، كَانُوا لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ فَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " عُبَيْدٌ أَدْرَكَ عُمَرَ وَأُبَيًّا.
وَقِيلَ: بَلْ فِعْله أَفْضَل وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَامَّةِ الْخَلَف، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَاخْتَارَهُ الْوَزِيرُ بْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاح قَالَ: وَمَذْهَب أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُؤَكَّد حَتَّى يُدَانِي بِهِ الْوُجُوب، قَالَ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ عِلْمَ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْفِلَاحَة فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: " لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ "، قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسْتَرْقَى الرَّجُلُ بِالْكَلِمَاتِ الْخَبِيثَةِ فَيُوهِمهُ الرَّاقِي فِي ذَلِكَ، وَفِي الْكَيِّ أَنَّهُمَا يَمْنَعَانِهِ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدًا، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَالْحِجَامَةُ سُنَّةٌ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى فِعْل التَّدَاوِي، احْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُبَاح لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُدَاوِي مَغَابِنَهُ مِنْ إبِطَيْهِ لِيَقْطَع ضَرَرَ بُخَارِهِمَا عَنْ النَّاسِ وَعَنْهُ فِي نَفْسِهِ كَذَا قَالَ، وَلَا أَحْسَب هَذَا مَحِلَّ وِفَاقٍ وَلَوْ كَانَ فَهُوَ لَا يَرَى وُجُوبَ التَّدَاوِي، قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ تَارِكٌ جُرْحَهُ يَسِيلُ دَمُهُ فَلَمْ يَعْصِبهُ حَتَّى سَالَ مِنْهُ الدَّمُ فَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى قَاتِلًا لِنَفْسِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا.
وَقَالَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: وَهُوَ نَحْو حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّم رَوَاهُ مُسْلِمٌ يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَبْلُغ بِهِمْ الذَّهَابُ فِي التَّدَاوِي إلَى أَنْ يَكْتَوُوا وَهُوَ آخِرُ الْأَدْوِيَة وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ " وَلَا يَسْتَرْقُونَ " رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَّا الِاسْتِشْفَاءُ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» قَالَ: فَمَنْ تَدَاوَى بِنِيَّةِ أَنْ يَتَّبِعَ فِي التَّدَاوِي السُّنَّةَ وَيُدَبِّرَ بَدَنَهُ الْمُودَعَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَصْوَبِ التَّدْبِيرِ، فَهَذَا إيمَانٌ وَتَوْفِيقٌ إنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ أَوْ وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ إذَا لَمْ يَتَدَاوَى رُبَّمَا يَهْلَكُ وَيُوهِمُهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَجَلِهِ فَيَتَدَاوَى بِهَذَا الْعَزْمِ