خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا مُتَفَاوِتُونَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ وَسَيَأْتِي آخِرَ فُصُولِ التَّدَاوِي. (فَصْلٌ فِي دَاءِ الْعِشْقِ) لَهُ مُنَاسَبَةٌ وَتَعَلُّقٌ بِهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ مَا أَنْشَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ لِنَفْسِهِ:
يَقُولُونَ لِي فِي الصَّبْرِ رَوْحٌ وَرَاحَةٌ ... وَلَا عَهْدَ لِي بِالصَّبْرِ مُذْ خُلِقَ الْحُبُّ
وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّبْرَ كَالصَّبِرِ طَعْمُهُ ... وَإِنَّ سَبِيلَ الصَّبْرِ مُمْتَنِعٌ صَعْبُ
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ: السِّرُّ الْمَصُونُ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ طَلَبَ أَفْعَالَهُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ، فَلَمْ يَجِدْ يَعْتَرِضُ، وَهَذِهِ حَالَةٌ قَدْ شَمِلَتْ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْجُهَّالِ أَوَّلَهُمْ إبْلِيسُ، فَإِنَّهُ نَظَرَ بِمُجَرَّدِ عَقْلِهِ فَقَالَ: كَيْفَ يُفَضَّلُ الطِّينُ عَلَى جَوْهَرِ النَّارِ؟ وَفِي ضِمْنِ اعْتِرَاضِهِ أَنَّ حِكْمَتَك قَاصِرَةٌ وَأَنَّ رَأْيِي أَجْوَدُ، فَلَوْ لَقِيت أَنَا إبْلِيسَ كُنْت أَقُولُ لَهُ: حَدِّثْنِي عَنْ فَهْمِك هَذَا الَّذِي رَفَعْت بِهِ أَمْرَ النَّارِ عَلَى الطِّينِ، أَهُوَ وَهَبَهُ لَك أَمْ حَصَلَ لَك مِنْ غَيْرِ مَوْهِبَتِهِ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: وُهِبَ لِي، فَأَقُولُ: أَفِيهِ لَك كَمَالُ الْفَهْمِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ حِكْمَتُهُ فَتَرَى أَنْتَ الصَّوَابَ، وَيَرَى هُوَ الْخَطَأَ؟ وَتَبِعَ إبْلِيسَ فِي تَغْفِيلِهِ وَاعْتِرَاضِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِثْلَ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمَعَرِّيّ وَمِنْ قَوْلِهِ:
إذَا كَانَ لَا يَحْظَى بِرِزْقِك عَاقِلٌ ... وَتَرْزُقُ مَجْنُونًا وَتَرْزُقُ أَحْمَقَا
فَلَا ذَنْبَ يَا رَبَّ السَّمَاءِ عَلَى امْرِئٍ ... رَأَى مِنْكَ مَا لَا يُشْتَهَى فَتَزَنْدَقَا
وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ يَقُول:
أَيَا رَبُّ تَخْلُقُ أَقْمَارَ لَيْلٍ ... وَأَغْصَانَ بَانٍ وَكُثْبَانَ رَمْلِ