قَدْ يُنْعِمُ اللَّهُ بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ ... وَيَبْتَلِي اللَّهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ
وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَلِهَذَا قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» وَقَالَ: «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ احْتَمَلَ مَرَارَةَ سَاعَةٍ لِحَلَاوَةِ الْأَبَدِ.
وَذُلَّ سَاعَةٍ لِعِزِّ الْأَبَدِ، هَذَا مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِ حَتَّى نَظَرَ فِي الْعَوَاقِبِ وَالْغَايَاتِ، وَالنَّاسُ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ آثَرُوا الْعَاجِلَ لِمُشَاهَدَتِهِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يُحِبُّ رَبَّهُ وَأَنَّ الْمُحِبَّ وَأَنَّهُ إنْ أَسْخَطَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي مَحَبَّتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: أَحَبُّهُ إلَيَّ أَحَبُّهُ إلَيْهِ، وَكَذَا أَبُو الْعَالِيَة وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ اللَّهَ إذَا قَضَى قَضَاءً أَحَبَّ أَنْ يُرْضَى بِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ مَرَاتِبَ الْكَمَالِ مَنُوطَةٌ بِالصَّبْرِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ لَا يَتَّهِمَ رَبَّهُ فِي قَضَائِهِ لَهُ.
كَمَا رَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَسَنُ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ يَقُولُ: سَمِعْت عُبَادَة بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: إنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقٌ بِهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا تَتَّهِمْ اللَّهَ فِي شَيْءٍ قُضِيَ لَك» ابْنُ لَهِيعَةَ فِيهِ كَلَامٌ مَشْهُورٌ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «أَنَّ الْعَبْدَ إذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا، ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ أَبُو دَاوُد، وَعَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ.
فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ هَذِهِ الْأُمُورَ نَظَرَ فِيهَا وَتَأَمَّلَهَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَحَصَلَ لَهُ مِنْ