وَرَوَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا بَلَغَنِي مِنْ أَحَدٍ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْزَلْته إحْدَى ثُلَاثِ مَنَازِلَ، إنْ كَانَ فَوْقِي عَرَفْت لَهُ قَدْرَهُ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْت عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دُونِي لَمْ أَحْفَلْ بِهِ، هَذِهِ سِيرَتِي فِي نَفْسِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وَذَكَرَ قَوْلَ الْمَجْنُونِ:

حَلَالٌ لِلَيْلَى شَتْمُنَا وَانْتِقَاصُنَا ... هَنِيئًا وَمَغْفُورًا لِلَيْلَى ذُنُوبُهَا

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَانَ يُقَالُ: الْغَالِبُ فِي الشَّرِّ مَغْلُوبٌ، شَتَمَ رَجُلٌ أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا لَا تُغْرِقَنَّ فِي شَتْمِنَا وَدَعْ لِلصُّلْحِ مَوْضِعًا، فَإِنَّا لَا نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ. أَعْطَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - شَاعِرًا فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تُعْطِي مَنْ يَقُولُ الْبُهْتَانَ، وَيَعْصِي الرَّحْمَنَ؟ فَقَالَ: إنَّ خَيْرَ مَا بَذَلْت مِنْ مَالِكَ مَا وَقَيْت بِهِ مِنْ عِرْضِكَ، وَمَنْ ابْتَغَى الْخَيْرَ اتَّقَى الشَّرَّ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

مَا بَقِيَ عَنْك قَوْمًا أَنْتَ خَائِفُهُمْ ... كَمِثْلِ دَفْعِك جُهَّالًا بِجُهَّالِ

قَعِّسْ إذَا حَدِبُوا وَاَحْدُبْ إذَا قَعَسُوا ... وَوَازِنْ الشَّرَّ مِثْقَالًا بِمِثْقَالِ

الْقَعَسُ خُرُوجُ الصَّدْرِ وَدُخُولُ الظَّهْرِ وَهُوَ ضِدُّ الْحَدَبِ، يُقَالُ رَجُلٌ قَعْسٌ وَقَعِيسٌ وَمُتَقَاعِسٌ وَقَالَ آخَرُ:

لَعَمْرُكَ مَا سَبَّ الْأَمِيرَ عَدُوُّهُ ... وَلَكِنَّمَا سَبَّ الْأَمِيرَ الْمُبَلِّغُ

وَقَالَ آخَرُ

حَلَالٌ لِلَيْلَى شَتْمُنَا وَانْتِقَاصُنَا ... هَنِيئًا وَمَغْفُورًا لِلَيْلَى ذُنُوبُهَا

وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَكَارِمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015