يَأْذَنْ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيمَا يَظُنُّ إذْنَهُ فِيهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَظَوَاهِرِ الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ وَعَادَةٌ فِي ذَلِكَ فَالْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسُ بِلَا إذْنٍ خَاصٍّ فِيهِ لِحُصُولِهِ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ ثُمَّ إنْ شَاءَ جَلَسَ أَدْنَى الْمَجْلِسِ مِنْ مَحَلِّ الْجُلُوسِ لِتَحَقُّقِ جَوَازِهِ مَعَ سُلُوكِ الْأَدَبِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يُعَدَّ جُلُوسُهُ هُنَاكَ مُسْتَهْجَنًا عَادَةً وَعُرْفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَرْتَبَتِهِ، أَوْ يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ بِذَلِكَ خَجَلٌ وَاسْتِحْيَاءٌ، فَإِنَّهُ يُعْجِبُهُ فِي خِلَافِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا ظَنَّ شَيْئًا لَا يَلِيقُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ عَمِلَ بِالظَّنِّ فِي جُلُوسِهِ فِيمَا يَأْذَنُ فِيهِ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى عَوَائِدِ النَّاسِ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ وَأَقَلُّ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَسَيَأْتِي مَا يُشْبِهُ هَذَا بَعْدَ آدَابِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالنَّوْمِ فِي فَصْلِ الْمَشْيِ مَعَ غَيْرِهِ.

وَيُعْمَلُ بِعَلَامَةٍ كَرَفْعِ سِتْرٍ أَوْ إرْخَائِهِ فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ لِقَوْلِهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الْحِجَابَ وَأَنْ تَسْمَعَ سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاك» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ السِّوَادُ بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالدَّالِ أَيْ السِّرَارُ وَهُوَ السِّرُّ وَالْمُسَارَّةُ يُقَالُ سَاوَدْت الرَّجُلَ مُسَاوَدَةً إذَا سَارَرْته وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ سِوَادِهِ عِنْدَ الْمُسَارَّةِ أَيْ شَخْصُك مِنْ شَخْصِهِ وَالسِّوَادُ اسْمٌ لِكُلِّ شَخْصٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ قَدْ عَلِمَ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلِمَ بِهِ وَالْأَوْلَى الثَّانِي احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ تَأَكَّدَ التَّثَبُّتُ وَالتَّأَنِّي وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَنْ لَا يَأْذَنَ بِالْعَلَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمُسْتَأْذِنَ فَقَدْ يَكُونُ الْمُسْتَأْذِنُ غَيْرَ مَنْ ظَنَّهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَا يَلِيقُ وَيَحْصُلُ بِهِ شَرٌّ وَمَحْذُورٌ وَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُول فَمَنْ شَاءَ دَخَلَ فِي الْحَالِ، وَيَتَثَبَّتُ إنْ اقْتَضَى الْحَالُ تَوَقُّفَهُ.

وَلِهَذَا فِي مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمًا بَعْدَ مَا صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ فَسَلَّمْنَا بِالْبَابِ فَأَذِنَ لَنَا فَمَكَثْنَا بِالْبَابِ هُنَيْهَةً قَالَ: فَخَرَجَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ: أَلَا تَدْخُلُونَ؟ فَدَخَلْنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015