دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: " ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ " مَعْنَاهُ مَضْمُونٌ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يُرِيدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ: وَقَوْلُهُ " دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يُسَلِّمَ إذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] .
(وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لُزُومَ الْبَيْتِ فَطَلَبَ السَّلَامَةَ مِنْ الْفِتَنِ، يَرْغَبُ بِذَلِكَ فِي الْعُزْلَةِ، وَيَأْمُرُ بِإِقْلَالٍ مِنْ الْخُلْطَةِ، وَيَجْلِسُ حَيْثُ أَجْلَسَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ. وَقِيلَ: بَلْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ مِنْهُ كَذَا فِي الرِّعَايَةِ وَدَخَلَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ النَّحْوِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بَيْتَهُ زَائِرًا لَهُ قَالَ: فَوَجَدْته جَالِسًا بِالْأَرْضِ إلَى وِسَادَةٍ فَقُلْت لَهُ إنِّي قَدْ رَضِيت لِنَفْسِي مَا قَدْ رَضِيتَ لِنَفْسِك، فَقَالَ: إنِّي لَا أَرْضَى لَك فِي بَيْتِي بِمَا أَرْضَى بِهِ لِنَفْسِي فَاجْلِسْ حَيْثُ تُؤْمَرُ فَلَعَلَّ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ شَيْءٌ يَكْرَهُ أَنْ تَسْتَقْبِلَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: (مَا يُكْرَهُ إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ إلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ أَنْ يَقْعُدَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُقْعِدُهُ) قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ: " لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ ". قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى كُلِّهِ، وَأَمَّا التَّكْرِمَةُ فَلَا بَأْسَ إذَا أَذِنَ لَهُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ إنْ أَمَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَان مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّاهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ وَتَكْرِمَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الدُّخُولِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُقَامُ فِيهِ، وَهَذَا وَاضِحٌ. وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَان مِنْهُ فَهَلْ يَجْلِسُ؟ وَأَيْنَ يَجْلِسُ؟ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى عُرْفِ صَاحِب الْمَنْزِل وَعَادَتِهِ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فَيَتَقَيَّدُ الْمُطْلَقُ كَالْكَلَامِ فَإِنْ خَالَفَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ عَادَتَهُ مَعَهُ بِأَنْ أَمَرَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ وَافَقَهُ إنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَكَذَا إنْ شَكَّ حَمْلًا لِحَالِ الْمُكَلَّفِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ.
وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُجِبْهُ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ فَلَمْ