يَجُوزُ الْإِنْكَارَ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، وَإِنْ خَافَ أَذًى قِيلَ لَا، وَقِيلَ يَجِبُ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيُخَيَّرُ فِي رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ احْتَجَّ الْقَاضِي بِحَدِيثِ عُقْبَةَ وَسَيَأْتِي.
وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِنْكَارُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ الْقَاضِي خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ قَبِيحٌ وَمَكْرُوهٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ.
(وَالثَّانِي) إظْهَارُ الْإِيمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَوْ صَرِيحُهُ عَدَمُ رُؤْيَةِ الْإِنْكَارِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ فُصُولِ اللِّبَاسِ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ هَلْ يَحْسُنُ الْإِنْكَارُ وَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ تَرْكِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ يَقْبُحُ بِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجْهُ الْأُولَى اخْتَارَهَا ابْن بَطَّةَ وَالْوَجْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17] .
وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] انْتَهَى كَلَامُهُ وَذَكَرَ وَالِدُهُ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْمِحْنَةِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إنْ عُرِضْت عَلَى السَّيْفِ لَا أُجِيبُ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا إذَا أَجَابَ الْعَالِمُ تَقِيَّةً وَالْجَاهِلُ بِجَهْلٍ فَمَتَى يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ نَقْلِ (ابْنِ هَانِئٍ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلسُّلْطَانِ فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ قَالَ وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَوْ تَرَكَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ حَتَّى مَاتَ أَوْ تَحَمَّلَ الْمَرِيضُ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ وَعَصَى وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ وُجُوبُ عَزِيمَةٍ كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ الْمُتَوَهَّمِ لِأَنَّ خَوْفَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَرَضِ وَخَوْفِ التَّلَفِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ مُتَوَهَّمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّوَهُّمِ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ