وَأَمَّا السُّلْطَانُ الْعَادِلُ فَالدُّخُولُ عَلَيْهِ وَمُسَاعَدَتُهُ عَلَى عَدْلِهِ مِنْ أَجَلِّ الْقُرَبِ فَقَدْ كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ شِهَابٍ وَطَبَقَتُهُمَا مِنْ خِيَارِ الْعُلَمَاءِ يَصْحَبُونَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالسَّلَامَةُ الِانْقِطَاعُ عَنْهُمْ كَمَا اخْتَارَهُ أَحْمَدُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا يَغْتَرُّ مَنْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ بِمَا وَرَدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِمَا يَرَاهُ مِنْ فِعْلِهِمْ الَّذِي رُبَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ حِلِّهِ وَتَأْوِيلِهِ فَيَتْرُك مُجَالَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَيَهْجُرُهُمْ فَيُفْضِي بِهِ حَالُهُ إلَى اسْتِمْرَارِ جَهْلِهِ، وَلَعَلَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ لَا تَصِحَّ عِبَادَتُهُ لِعَارِضٍ لَا يَعْلَمُهُ، فَإِذَا بَدَا لَك مِنْ عَالِمٍ زَلَّةٌ فَاسْأَلْهُ عَنْ حُكْمِ مَا فَعَلَ كَذَا فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَبْدَاهُ فَتَخَلَّصْت مِنْ إثْمِ غَيْبَتِهِ أَوْ خَطَرِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا عَرَفَ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَرَفَ مَغْزَى كَلَامِك وَأَنَّك تُنْكِرُ عَلَيْهِ وَبِهَذِهِ الطَّرَائِقِ أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدَهُ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي النَّعْجَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ الدُّخُولُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْعُمَّالِ وَالظَّلَمَةِ وَاسْتَدَلَّ بِالْخَبَرِ وَالْأَثَرِ وَالْمَعْنَى قَالَ: إلَّا بِعُذْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا إلْزَامٌ مِنْ جِهَتِهِمْ يُخَافُ الْخِلَافُ فِيهِ الْأَذَى الثَّانِي أَنْ يَدْخُلَ لِيَرْفَعَ ظُلْمًا عَنْ مُسْلِمٍ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْذِبَ وَلَا يُثْنِي وَلَا يَدَعُ نَصِيحَةً يَتَوَقَّعُ لَهَا قَبُولًا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ كَفُّ ظُلْمٍ عَظِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكِ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ وَالْتِزَامُهَا بِكَفِّ أَعْلَاهُمَا وَرَفْعِهَا.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ زَائِرًا فَجَوَابُ السَّلَامِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَذَا قَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَجْرِ الْمُبْتَدِعِ وَالْمُجَاهِرِ بِالْمَعَاصِي قَالَ: وَأَمَّا الْقِيَامُ وَالْإِكْرَامُ فَلَا تَحْرُمُ مُقَابَلَةٌ لَهُ عَلَى إكْرَامِهِ فَإِنَّهُ بِإِكْرَامِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ