ِ) كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَأْتِي الْخُلَفَاءَ وَلَا الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ وَيَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمْ، وَيَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَكَلَامُهُ فِيهِ مَشْهُورٌ وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَرَوِيِّ فَقَالَ: رَجُلٌ وَسِخٌ، فَقُلْت مَا قَوْلُك إنَّهُ وَسِخٌ قَالَ: مَنْ يَتْبَعُ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ فَهُوَ وَسِخٌ وَكَانَ هَذَا رَأْيَ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَدَاوُد الطَّائِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ اُفْتُتِنَ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَتَاهُ لِطَلَبِ الدُّنْيَا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ ظَالِمًا جَائِرًا، أَوْ عَلَى مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الِافْتِتَانُ وَالْعُجْبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ «وَمَنْ لَزِمَ السُّلْطَانَ اُفْتُتِنَ» .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيَّ ذَكَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى فِي كِتَابِهِ فِي الضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلَّا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَانَ صَاحِبَ أُمَرَاءَ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَبْوَابِ هَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَظْلِمَةٌ فَلَمْ يَرَ أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مَظْلُومًا فَذَكَرَ لَهُ تَعْظِيمَهُمْ فَكَأَنَّهُ هَابَ ذَلِكَ.