لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ أَمْ لَا إنْ حَمِدَ اللَّهَ أَمْ لِلشَّارِبِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ مُتَوَجَّهَةٌ كَمَا يُتَوَجَّهُ فِي الْمُتَجَشِّئُ مِثْلُهُمَا. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَحَرِّيَ طَرِيقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هُوَ الصَّوَابُ.
وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْقِيَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ لَمَّا صَارَ تَرْكُ الْقِيَامِ كَالْإِهْوَانِ بِالشَّخْصِ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ الْقِيَامُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا، فَأَمَّا إنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى عَدَاوَةٍ وَغِشٍّ وَحِقْدٍ أَوْ وَحْشَةٍ وَشَنَآنٍ فَيُتَوَجَّهُ حِينَئِذٍ الِائْتِلَافُ وَعَمَلُ مَا يَقْتَضِيهِ بِحَسَبِ الْحَالِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك، فَعَنْهُ لَا بَأْسَ وَهِيَ أَشْهَرُ كَالْجَوَابِ: وَاحْتَجَّ بِأَبِي أُمَامَةَ قِيلَ لَهُ وَوَائِلَةَ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَقَالَ: لَا أَبْتَدِي بِهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ الْكُلُّ حَسَنٌ، وَعَنْهُ مَا أَحْسَنَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ الشُّهْرَةَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِلَافُ مَعَ الْأَثَرِ فِيهِ لَكِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ فَمَا ظَنُّكَ بِمَسْأَلَتِنَا عِنْدَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ حَمَّامٍ بِمَا يُنَاسِبُ الْحَالَ.
وَرَدُّ الْجَوَابِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ الِابْتِدَاءِ وَإِنَّهُ أَسْهَلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رَدِّ الْجَوَابِ لَلدَّاعِي يَوْمَ الْعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الْخِلَافُ يُتَوَجَّهُ فِي التَّهْنِئَةِ بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ لِبَعْضِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا يَجُوزُ، فَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِنِعَمٍ دِينِيَّةٍ تَجَدَّدَتْ فَتُسْتَحَبُّ لِقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَنِيئًا مَرِيئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.