عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ» .
وَكَلَامُهُ فِي التَّرْغِيبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَ هَذَا الْكَلَامَ دُعَاءً وَاسْتُحِبَّ الدُّعَاءُ بِهِ لِكُلِّ مَنْ أُكِلَ طَعَامُهُ وَعَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ إنَّمَا يُقَالُ هَذَا إذَا أَفْطَرَ عِنْدَهُ فَيَكُونُ خَبَرًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَكَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ يُوَافِقُ مَا فِي التَّرْغِيبِ.
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «صَنَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ أَثِيبُوا أَخَاكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا إثَابَتُهُ قَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَأَكْلَ طَعَامَهُ وَشَرِبَ شَرَابَهُ فَدَعَوْا لَهُ فَذَلِكَ إثَابَتُهُ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد: الْأَوَّلُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالثَّانِي مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ يَزِيدَ الدَّالَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ الْآمِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ: يُسْتَحَبُّ إذَا أَكَلَ عِنْدَ الرَّجُلِ طَعَامًا أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ «مَنْ أَسْدَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ» .
فَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ فَلَمْ أَجِدْ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوهُ، وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْأَخْبَارِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَقَدْ سَبَقَ عِنْدَ إجَابَةِ الْعَاطِسِ أَنَّ الْمُتَجَشِّئُ لَا يُجَابُ بِشَيْءٍ فَإِنْ حَمِدَ اللَّهَ دَعَا لَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يُعْرَفُ فِيهِ سُنَّةٌ بَلْ هُوَ عَادَةٌ مَوْضُوعَةٌ وَهَذَا أَيْضًا يُوَافِقُ مَا سَبَقَ فِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ، لَكِنَّ ذِكْرَهُمْ أَنَّ الْحَامِدَ يُدْعَى لَهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ لَا نَعْرِفُ، فِيهِ سُنَّةً بَلْ هُوَ عَادَةٌ مَوْضُوعَةٌ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يُدْعَى لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ بِمَا يُنَاسِبُ الْحَالَ لَكِنْ إذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَمُقْتَضَى الِاعْتِمَادِ عَلَى الْعَادَةِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلشَّارِبِ مُطْلَقًا، وَعَكْسُهُ الْآكِلُ وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ مِثْلُ الشَّارِبِ؛ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فَظَهَرَ أَنَّهُ هَلْ يُدْعَى