الْخُبْزِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ أَوْ بِقُرْبِهِ قَالَ ابْنُ الْبَنَّا وَتَحْقِيقُ الْفِقْهِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ، وَالْحَمْدَ كِلَيْهِمَا مَسْنُونٌ.
وَذَكَرَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّسْمِيَةَ هُنَا مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ لَا يُسَمِّي غَيْرُ الشَّارِبِ، وَالْآكِلِ عَنْهُ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي مَسْأَلَةِ هَلْ يَحْمَدُ اللَّهَ أَحَدٌ عَنْ الْعَاطِسِ؟ ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ شَرَعَ الْحَمْدَ عَنْ تَسْمِيَةِ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ فَفَعَلَ عَنْهُ كَانَ كَتَسْمِيَةِ نَفْسِهِ فِي امْتِنَاعِ الشَّيْطَانِ مِنْ الطَّعَامِ وَعَدَمِ اسْتِحْلَالِهِ إيَّاهُ لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ مِمَّنْ يَشْرَعُ الْحَمْدَ عَنْهُ فَعَلْت أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ اسْتَحَلَّهُ لِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ مِمَّنْ تَشْرَعُ مِنْهُ كَتَرْكِ الْعَاقِلِ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ الْحَمْدَ عَنْهُ فَفَعَلْتَ أَمْ لَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ تُتْرَكْ وَهُوَ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَعُفِيَ عَنْهُ كَفِعْلِ الْبَهِيمَةِ.
فَأَمَّا الْمُمَيِّزُ الْعَاقِلُ فَإِنَّهُ يُسَمِّي وَيَمْتَنِعُ الشَّيْطَانُ بِهَا مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ اسْتَحَلَّهُ الشَّيْطَانُ، وَإِنْ أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ قَاءَ الشَّيْطَانُ كُلَّ شَيْءٍ أَكَلَهُ فَيَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ " لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ كَخَبَرِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَقِصَّةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي جَاءَ الشَّيْطَانُ يَسْتَحِلُّ بِهَا رَوَاهَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَخَبَرُ أُمَيَّةَ بْنِ مَخْشِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ، وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي ذَلِكَ أَنَّ الْآكِلَ يُعَلَّمُ آدَابَ الْأَكْلِ إذَا خَالَفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْعَاقِلُ سَبْعَ سِنِينَ فَيَتَوَجَّهُ إنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَبَيْعُهُ صَحَّتْ مِنْهُ وَاعْتُبِرَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْهَرَ بِهَا لِيُنَبِّهَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا سَمَّى وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ فِي سِقَاءٍ وَلَا فِي ثُلْمَةِ إنَاءٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا» .
وَفِي رِوَايَةٍ «وَاخْتِنَاثُهَا أَنْ يَقْلِبَ رَأْسَهَا، ثُمَّ يَشْرَبَ مِنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَزَادَ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَأُنْبِئْتُ أَنَّ رَجُلًا