يَا بَنِيَّ لَا تَدَعُوا أَنْ تَأْدِمُوا أَوَّلَ طَعَامِكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ، وَكَذَا قَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ التَّابِعِيُّ الثِّقَةُ الْفَقِيهُ الصَّالِحُ أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى التَّسْمِيَةِ أَوَّلًا، وَالْحَمْدُ آخِرًا، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَنُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَلَوْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، بَلْ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْغَايَةُ فِي فِعْلِ الْفَضَائِلِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ حَالِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مِنْ الْقُرَّاءِ مَنْ يَفْصِلُ بِالْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَفْصِلُ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَلَامُ اللَّهِ فَلَا يَفْصِلُونَ بِهَا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ كَمَنْ سَمَّى إذَا أَكَلَ أَنْوَاعًا مِنْ الطَّعَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَهُوَ حَسَنٌ لِمُتَابَعَتِهِ لِخَطِّ الْمُصْحَفِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَفْعِ الطَّعَامِ وَوَضْعِ طَعَامٍ فَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ أَفْضَلُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ أَجْوَدُ فِي الطِّبِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ، ثَمَّ عَادَةٌ كَمَا سَبَقَ، وَلَا يَعُبُّ الْمَاءَ عَبًّا، وَيَأْخُذُ إنَاءَ الْمَاءِ بِيَمِينِهِ وَيُسَمِّي وَيَنْظُرُ فِيهِ، ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْهُ مَصًّا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ الْمَاءَ مَصًّا وَلَا يَعُبُّهُ عَبًّا فَإِنَّ مِنْهُ الْكُبَادَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْكُبَادُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ أَيْ وَجَعُ الْكَبِدِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالتَّجْرِبَةِ، وَيَشْرَبُ مُقَطِّعًا ثَلَاثًا، وَيَتَنَفَّسُ دُونَ الْإِنَاءِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ أَرْوَى وَأَمْرَى وَأَبْرَى رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلَا يَتَنَفَّسُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّفْخُ فِي الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَالْكِتَابِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَتَأْتِي أَيْضًا، وَقِيلَ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا، وَذَكَرَ وُجُوبَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَحَكَى ابْنُ الْبَنَّا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَكْلِ أَرْبَعَةٌ: فَرِيضَةُ أَكْلِ الْحَلَالِ، وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الطَّعَامِ، وَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي الشُّكْرِ كَلَامٌ فِي فَصْلِ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ