قال المعترض: «لكن كم لصاحب هذه المقالة من مسائل خرق فيها الإجماع، وفتاوى أباح فيها ما حرّم الله من الإبضاع، وتعرّض لتنقيص الأنبياء، وحطّ من مقادير الصحابة والأولياء، فلقد تجرأ بما ادّعاه وقاله، على تنقيص الأنبياء لا محالة، فتعين مجاهدته والقيام عليه، والقصد بسيف الشريعة المحمدية إليه، وإقامة ما يجب بسبب مقالته نصرة للأنبياء والمرسلين، ليكون عبرة للمعتبرين. وليرتدع به أمثاله من المتمرّدين. والحمد لله رب العالمين». آخر كلامه.
والكلام على هذا من وجوه:
أحدها: أن هذا ليس كلاما في المسألة العلمية التي وقع فيها النزاع، ولا عينت مسألة أخرى حتى يتكلم فيها بما قاله العلماء ودل عليه الكتاب والسنة، وإنما هو دعاوى مجردة على شخص معين. ومعلوم أن مثل هذا غير مقبول بالإجماع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدّعى عليه» (?).
الوجه الثاني: أن يقال: ثم من المعلوم أنه ما من أهل ضلالة إلا وهم يدّعون على أهل الحق من جنس هذه الدعوى، فاليهود يدّعون أن الرسول صلى الله عليه وسلّم وأمته أباحوا ما حرّمه الله كالعمل في السبت، ومثل أكل كل ذي ظفر كالإبل والبط والإوز، وكشحم الترائب والكليتين وغير ذلك، والنصارى تقول: إنهم تنقّصوا المسيح والحواريين، فإن الحواريين عندهم رسل الله، وقد يفضّلونهم على إبراهيم وموسى، ويقولون عن المسيح: إنه الله، ويقولون: هو ابن الله، ومن قال إنه عبد الله فقد سبّه وتنقّصه عندهم، والطائفتان يحرّمون التّسري، والنصارى يحرّمون الطلاق، واليهود إذا تزوجت المطلقة حرّمت على المطلّق أبدا، والنصارى قد يحرّمون التزوّج ببنات العم والعمة والخال والخالة، ويحرمون أن يتزوّج الرجل أكثر من واحدة.
فمحمد صلى الله عليه وسلّم وأمته عند الطائفتين قد أباحوا ما حرّمه الله من الإبضاع على