ذلك من الصحابة والتابعين. قال أبو حاتم الرازي (?): وهو من جلة أهل المدينة وقدماء شيوخهم، كان على القضاء. وقد ذكروا أنه رأى عبد الله بن عمر، وروى عن عبد الله بن جعفر، وفي سماعه منه نظر، ومات قديما بعد القاسم بن محمد بقليل، فإن القاسم توفي سنة إحدى وعشرين ومائة وهذا توفي سنة ست وعشرين ومائة، وقد خرج من المدينة غير مرة تارة إلى الحج، وتارة كان قد استعمل على الصدقات، ومرة خرج إلى العراق وإلى واسط، فروى عنه سفيان الثوري وشعبة والعراقيون، وهو الذي روى حديث: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» (?) عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم. وقد أدرك بالمدينة جابر بن عبد الله وسهل بن سعد الساعدي وغيرهما من الصحابة، ورأى أكابر التابعين مثل سعيد بن المسيب وسائر الفقهاء السبعة، ومعلوم أنه لم يكن ليخالفهم فيما اتفقوا عليه، بل قد يخالف ابن عمر فإنه ما نقله عنه ابنه يقتضي أنه كان لا يأتيه لا عند السفر ولا غيره، بل يكره إتيانه مطلقا، كما كان جمهور الصحابة على ذلك لما فهموا من نهيه صلى الله عليه وسلّم عن ذلك وأنه أمر بالصلاة والسلام عليه في كل زمان ومكان، وقال صلى الله عليه وسلّم: «لا تتخذوا قبري عيدا». وقال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد». كما قد بيّن هذا في مواضع. مع أن سعد بن إبراهيم هذا في دينه وعبادته وصيامه وتلاوته للقرآن بحيث كان يختم باليوم والليلة كثيرا. وأبو الحسن علي بن عمر القزويني وغيره من أهل العلم والدين ذكروا هذه الآثار عن الصحابة والتابعين وتابعيهم ليبينوا للناس كيف كان السلف يفعلون في مثل ذلك، وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود أن ما حكى القاضي عياض الإجماع فيه لم ينه عنه في الجواب، بل السفر إلى مسجده وزيارته التي يسميها بعضهم زيارة وبعضهم يكره أن تسمى زيارة على الوجه المشروع سنة مجمع عليها، كما ذكره القاضي عياض، ولا يدخل في ذلك السفر إلى غير المساجد الثلاثة؛ كالسفر إلى قبور الأنبياء والصالحين، ولا من سافر لمجرد قبره فلم يزر زيارة شرعية بل بدعية، فهذا لا يقول أحد أنه مجمع على أنه سنة، ولكن هذا الموضع مما يشكل على كثير من الناس. فينبغي لمن أراد أن يعرف دين الإسلام أن يتأمل النصوص النبوية، ويعرف ما كان يفعله الصحابة والتابعون، وما قاله أئمة المسلمين، ليعرف المجمع عليه من المتنازع فيه، فإن في الزيارة مسائل متعددة تنازعوا فيها، لكن لم يتنازعوا في استحباب السفر إلى مسجده واستحباب الصلاة والسلام عليه، ونحو ذلك مما شرعه الله في مسجده. ولم يتنازع الأئمة الأربعة والجمهور في أن السفر إلى غير الثلاثة ليس بمستحب، لا لقبور الأنبياء والصالحين ولا لغير ذلك.