يسمون هذا كله زيارة لقبره، ولم يكن هذا لغة السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، بل تغير الاصطلاح في مسمى اللفظ والمقصود به، وهو صلى الله عليه وسلم لا يشرع للقريب من زيارته ما نهى عنه المسافر الذي يشد الرحل، بخلاف غيره فلا يقال إن زيارته بلا شد رحل مشروعة ومع شد الرحل منهي عنها، كما يقال في سائر المشاهد وفي قبور الشهداء وغيرهم من أموات المسلمين، إذ لم يشرع للمقيمين بالمدينة من زيارته ما ينهى عنها المسافرون، بل جميع الأمة مشتركون فيما يؤمرون به من حقوقه حيث كانوا، بل قد قيل إن الأمر بالعكس، وإنه يستحب للمسافر من السلام عليه والوقوف على قبره ما لا يستحب لأهل البلد، وإذا كان لا يمكن إلا العبادة في مسجده، فهذا مشروع لمن شد الرحل ومن لم يشده، تبقى النية كما ذكر مالك، وهذه النية التي يقصد صاحبها القبر دون المسجد قد نص مالك وغيره على أنها مكروهة لأهل المدينة قصدًا وفعلاً فيكره لهم كلما دخلوا المسجد أو خرجوا منه أن يأتوا القبر. وقد ذكر مالك أن هذا بدعة لم يبلغه عن أحد من السلف، ونهى عنها وقال: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).
فالذي يقصد مجرد القبر ولا يقصد المسجد خالف الحديث / والإجماع، فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أن السفر إلى مسجده مستحب، وأن الصلاة فيه بألف صلاة. واتفق المسلمون على ذلك وعلى أن مسجده أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، وقال بعضهم إنه أفضل من المسجد الحرام، ومسجده يستحب السفر إليه، والصلاة فيه مفضلة لخصوص كونه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بناه هو وأصحابه، وكان يصلي فيه هو وأصحابه. فهذه الفضيلة ثابتة للمسجد في حياة