التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، ولم يكن للتربية والتهذيب والأمر بهما معنى، ولم يكن للحدود والزواجر الشرعية عن اقتراف الآثام إذَنْ معنى. والواقع المشاهَد يدل على فائدة ذلك وإمكانه في الحيوان فضلاً عن الإنسان؛ يَسْتأنس الصيد الوحشي، ويعلّم الكلب عاداتٍ، وتُدرَّب الفرس.
لكن ينبغي أن يُعْلم أن المقصود بالتربية تهذيب الطباع والأخلاق النفسية لا اقتلاعها وقمعها بالكلّية لأن ذلك غير ممكن وليس مراداً شرعاً، بل هو خروجٌ عن الفطرة والشرع.
والمراد بتهذيبها أن تكون مستخدمة في أداء التكاليف الشرعية على اختلاف درجاتها، وفي المباحات في حد الاعتدال -دون إفراط أو تفريط-1.
وبهذا يتضح المراد في كثير من صفات الإنسان النفسية وأخلاقه التي تلازم -غالباً- غرائزه الجسدية النفسية، وذلك مثل:
غريزة الجنس، وغريزة الغضب، وغريزة الأكل، وغريزة حب البقاء، وغريزة حب التملّك.
ويُفهَم ذلك في ضوء حديث الثلاثة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني" 2.