وفعلوا في كتاب الله أكثر مما فعل الأولون في تحريف التأويل عن جهته فقالوا في قول الله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة} أن اليد ههنا النعمة وما ننكر أن اليد قد تتصرف على ثلاثة وجوه من التأويل:
أحدها: النعمة.
والآخر: القوة من الله: {أولي الأيد والأبصار} يريد أولي القوة في دين الله والبصائر ومنه يقول الناس (ما لي بهذا الأمر يد) يعنون مالي به من طاقة.
الوجه الثالث: اليد بعينها.
ولكنه لا يجوز أن يكون أراد في هذا الموضع النعمة لأنه قال: {وقالت اليهود يد الله مغلولة} والنعم لا تغل وقال: {غلت أيديهم} معارضة بمثل ما قالوا ولا يجوز أن يكون أراد غلت نعمهم ثم قال: {بل يداه مبسوطتان} ولا يجوز أن يريد نعمتاه مبسوطتان.
وكان مما احتجوا به للنعمة قوله: {غلت أيديهم} لو أراد اليد بعينها لم يكن في الأرض يهودي غير مغلول اليد، فما أعجب هذا الجهل والتعسف في القول بغير علم.
ألم يسمعوا بقول الله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره} وبقوله: {قاتلهم الله أنى يؤفكون} وقوله: {لعنوا بما قالوا} واللعن الطرد. فهل قتل الله الناس جميعاً وهل قتل قوماً وطرد آخرين ولم يسمعوا بقول العرب: قاتله الله ما أبطشه، وأخزاه الله ما أشعره، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: ((تربت يداه)) أي افتقر ولم يفتقر.