وقال ابن قتيبة رحمه الله يصف الحال في أيام السلف عليه الرحمة والرضوان: "كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع والمستعمل من الواضح وفيما ينوب الناس فينفع الله به القائل والسامع، فقد صار أكثر التناظر فيما دق وخفي، وفيما لا يقع وفيما قد انقرض.. وصار الغرض فيه إخراج لطيفة، وغوصًا على غريبة، وردًا على متقدم ...
وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر وفي تفضيل أحدهما على الآخر، وفي الوساوس والخطرات ومجاهدة النفس وقمع الهوى فقد صار المتناظرون يتناظرون في الاستطاعة والتولد والطفرة والجزء والعرض والجوهر، فهم دائبون يخبطون في العشوات، قد تشعبت بهم الطرق، قادهم الهوى بزمام الردى..". (?)
فلما وقع الناس في الجدل تفرقت بهم الأهواء، قال عمرو بن قيس: (?) قلت للحكم بن عتبة: (?) ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات. (?)
وقد روي عن أبي قلابة -وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون» . (?)