ثانيًا: من أسباب الاختلاف تفاوت الناس في العلم والمعرفة.
فأصل حدوث الاختلاف المذموم والتفرق في الأمة هو الجهل بالدين ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: "الاختلاف في القواعد الكلية لا يقع بين المتبحرين في علم الشريعة الخائضين في لجتها العظمى، العالمين بمواردها ومصادرها، والدليل على ذلك اتفاق العصر الأول وعامة العصر الثاني". (?)
ولهذا روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلا يومًا فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد؟ فأرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما وسأله، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين: إنما نزل القرآن علينا فقرأناه وعلمنا فيما نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان ذلك اختلفوا. (?)
قال الإمام الشاطبي معلقًا: وما قاله ابن عباس رضي الله عنهما هو الحق، فإنه إذا عرف الرجل فيما نزلت الآية أو السورة عرف مخرجها وتأويلها وما قُصد بها، فلم يتعد ذلك فيها، وإذا جهل فيما أنزلت احتمل النظر فيها أوجهًا، فذهب كل إنسان مذهبًا لا يذهب إليه الآخر.