الحجاب هي المحافظة على طهارة قلوب كل من الجنسين غاية الطهارة حيث عبر تعالى بصيغة التفضيل في قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}.
ودل هذا التعليل بأطهرية قلوب الجنسين، على أن حكم الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة لأن أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن مطلوبة إجماعًا فلا يصلح لقائل أن يقول المطلوب طهارة قلوب أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقط وطهارة قلوب الرجال من الريبة معهن فقط، بل ذلك مطلوب في جميع النساء إلى يوم القيامة كما لا يخفى.
فدل ذلك على أن العلة المشار إليها بقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} مقتضية تعميم ها الحكم السماوي النازل بهذا الأدب الكريم المقتضي كمال الصيانة والعفاف والمحافظة على الأخلاق الكريمة والتباعد من التدنس بالريبة، فسبحان من أنزله، ما أعلمه بمصالح خلقه وتعليمهم ومكارم الأخلاق.
ويؤيد ما ذكرنا من تعميم الحكم أن الخطاب لواحد يشمل حكمه جميع الأمة إلا بدليل خاص وهو على المقرر في أصول المذهب الحنبلي يكون خطاب الواحد بنفسه صيغة عموم مقتضية عموم الحكم في جميع المكلفين.
وغير الحنابلة يقول خطاب الواحد يقتضي عموم الحكم لكن بواسطة لا بنفسه.
وتلك الواسطة نوعان:
أحدهما: قياس باقي المكلفين على ذلك الشخص الواحد المخاطب لأن الأصل استواء جميع الناس في أحكام التكاليف الشرعية إلا ما أخرجه دليل خاص.
النوع الثاني: هو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ»، وهو صحيح أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح، وهو دليل على أن ما خوطبت امرأة واحدة من الأمة يعم حكمه جميع النساء.
ولو سلمنا تسليمًا جدليًا أن آية: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}