الاخوان، احتلفوا على السواء السوا، والأواصر والإخاء، ما احتذى رجل حذا، وما راح راكب واغتدى، يحمله الصغار عن الكبار، والاشرار عن الاخيار. آخر الدهر والأبد، الى انقضاء مده الأمد، وانقراض الآباء والولد، حلف يوطأ ويثب، ما طلع نجم وغرب، خلطوا عليه دماهم، عند ملك ارضاهم، خلطها بخمر وسقاهم، جز من نوصيهم اشعارهم، وقلم عن أناملهم اظفارهم، فجمع ذلك في صر، ودفنه تحت ماء غمر، في جوف قعر بحر آخر الدهر، لا سهو فيه ولا نسيان، ولا غدر ولا خذلان، بعقد موكد شديد، الى آخر الدهر الابيد، ما دعا صبى أباه، وما حلب عبد في أناة، تحمل عليه الحوامل، وتقبل عليه القوابل، ما حل بعد عام قابل، عليه المحيا والممات، حتى ييبس الفرات، وكتب في الشهر الأصم [1] عند ملك أخي ذمم، تبع بن ملكيكرب، معدن الفضل والحسب، عليهم جميعا كفل، وشهد الله الأجل، الذى ما شاء فعل، عقله من عقل، وجهله من جهل.
فلما قرئ عليهم هذا الكتاب تواقفوا على ان ينصر بعضهم بعضا، ويكون امرهم واحدا.
فأرسل الكرماني الى نصر: ان كنت تريد المحاربة فابرز الى خارج المدينة. فنادى نصر في جنوده من مضر.
وخرج، فعسكر ناحيه من الصحراء، وفعل الكرماني مثل ذلك. وخندق كل واحد منهما في عسكره، ويسمى ذلك المكان الى اليوم الخندقين.
ووجه الكرماني محمد بن المثنى، وأبا الميلاء الربعيين، في الف فارس، من ربيعه، وامرهما ان يتقدما الى عسكر نصر بن سيار.
فاقبلا، حتى إذا قاربا عسكره قال نصر لابنه تميم:
اخرج الى القوم في الف فارس من قيس وتميم.