وحرض جرير اهل القلب، وذمرهم [1] ، وقال لهم: يا معشر بجيله، لا يكونن احد اسرع الى هذا العدو منكم، فان لكم في هذه البلاد ان فتحها الله عليكم حظوة ليست لأحد من العرب، فقاتلوهم التماس إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ.
فتداعى المسلمون، وتحاضوا، وثاب من كان انهزم، ووقف الناس تحت راياتهم، ثم زحفوا، فحمل المسلمون على العجم حمله صدقوا الله فيها، وباشر مهران الحرب بنفسه، وقاتل قتالا شديدا، وكان من ابطال العجم، فقتل مهران، وذكروا ان المثنى قتله، فانهزمت العجم لما رأوا مهران صريعا، واتبعهم المسلمون، وعبد الله بن سليم الأزدي يقدمهم، واتبعه عروه بن زيد الخيل، فصار المسلمون الى الجسر، وقد جازه بعض العجم، وبقي بعض، فصار من بقي منهم في أيدي المسلمين، ومضت العجم، حتى لحقوا بالمدائن، وانصرف المسلمون الى معسكرهم، فقال عروه بن زيد الخيل في ذلك:
هاجت لعروه دار الحى أحزانا ... واستبدلت بعد عبد القيس همذانا
وقد أرانا بها، والشمل مجتمع ... إذ بالنخيلة قتلى جند مهرانا
ايام سار المثنى بالجنود لهم ... فقتل القوم من رجل وركبانا
سما لاجناد مهران وشيعته ... حتى أبادهم مثنى ووحدانا
ما ان رأينا أميرا بالعراق مضى ... مثل المثنى الذى من آل شيبانا
ان المثنى الأمير القرم لا كذب ... في الحرب اشجع من ليث بخفانا [2]
قالوا: ولما اهلك الله مهران ومن كان معه من عظماء العجم استمكن المسلمون من الغارة في السواد، وانتقضت مسالح [3] الفرس، وتشتت امرهم، واجترأ المسلمون عليهم، وشنوا الغارات ما بين سورا [4] وكسكر [5] والصراة [6]