الأصحاب من الخلافِ إِلَّا لكونِ الحُكم تبيَّن خطؤه، ولو اتَّفقوا على عدم الخطأ لاتَّفقوا على تغيُّر الفُتيا، وإِنما الخلافُ بينهم في نقض هذا الحكم لتبين خطئه فقط. فظهر أنهم لا يختلفون في الحكم الذي لم يَتبيَّن خطؤه أنه تتغيرُ الفُتيا باعتباره.
فإِن قيل: إِنما المعنى في هذه المسائل كلِّها أنَّ الحكم لا يُنقَضُ، وليس بتغيُّرِ فُتيا؟
قلنا: النقضُ وظيفةُ حاكمٍ آخر غيرِ الحاكم الأوّل، لا وظيفةُ المفتي، والمفتي في هذه المسائل يُسألُ ويُخبِرُ عن الله تعالى بأنَّ ذلك له أو ليس له، وأنَ ذمَّته تَعفَرَتْ بالزكاة أو ما تَعفَرَتْ. وهل هذا إِلَّا فُتْيَا صِرْفَة؟ وإِلَّا فلا معنى للفُتيا غيرُ قولِنا: هذا حلال، هذا حرام، هذا واجب، هذا غير واجب، هذا مأذون فيه، هذا غير مأذون فيه، إِلى غير هذا. فهذا تغيُّرٌ للفتاوى جزماً، لا امتناعٌ مِن نَقْضِ الحكم.
وتاسعها: في الكتاب (?): لا يَجزي أن يُؤخَذ في الزكاة ذاتُ العَوَار (?) ولا التَيْسُ، فإِنْ رأى السَّاعي أجزأ، فأفتى بالِإجزاء بعد أخذِ الساعي، وبعَدَمِه قبلَه، وهذا تغيُّرٌ في الفُتيا لأجلِ حكم الحاكمِ، لأن الساعي عند مالك حاكم.
وعاشرها: قال سَنَدٌ في كتاب الخِلْطة: لو كان لكلّ واحدٍ من الخُلَطاء أربعون شاة، فأُخِذَ من أحدهم ثلاثُ شياه، رَجَعَ على صاحبيه بثلثي شاة، لأنه لا تجب في مئة وعشرين إِلَّا شاة، عليه ثلثُها، وعلى صاحبيه ثلثاها، فإِن أُخِذَ الثلاثُ شياه على رأي من لا يَرى بالخلطة كأبي حنيفة: رَجَع على كل واحد بشَاةٍ.