أَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ " (?) وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ أَعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ ". (?) وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَعْمَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَحْكُمَا بِهِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَمَا ثَبَتَ مِنَ السُّنَّةِ تَوَاتُرًا، وَكَانَ ذَلِكَ مُشْتَهِرًا فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا مُنْكِرٌ، فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.

وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ الْآحَادَ ضَعِيفٌ وَالْمُتَوَاتِرَ أَقْوَى مِنْهُ، فَلَا يَقَعُ الْأَضْعَفُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَقْوَى. (?) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَدَمُ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُ قَبُولِهِ لِعَدَمِ حُصُولِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ.

وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: " لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ " وَقَالَ عَلِيٌّ فِي الْأَعْرَابِيِّ مَا قَالَ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ مَا بَيَّنَّا مِنْ كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً، وَمَعَ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ جَوَازِ تَخْصِيصِ التَّوَاتُرِ بِالْآحَادِ. (?) وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَعْنَى فَهُوَ بَاطِلٌ بِالتَّخْصِيصِ عَلَى مَا سَبَقَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015