الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ
اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ ; لِتَسَاوِيهِ فِي الْعِلْمِ بِهِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ، وَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ نَسْخِ الِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَنَسْخِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ: {أَأَشْفَقْتُمْ} الْآيَةَ.
وَنَسْخِ وُجُوبِ ثُبُوتِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْمُتَوَاتِرَةِ مِنْهَا، وَنَسْخِ الْآحَادِ مِنْهَا بِالْمُتَوَاتِرِ، وَنَسْخِ الْآحَادِ بِالْآحَادِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ زِيَارَةَ الْقُبُورِ بِنَهْيِهِ عَنْهَا ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا» " (?) وَكَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ: " «فَإِنْ شَرِبَهَا الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ» " (?) فَنُسِخَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حُمِلَ إِلَيْهِ مَنْ شَرِبَهَا الرَّابِعَةَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ.
وَأَمَّا نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْهَا بِالْآحَادِ، فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ عَقْلًا وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ سَمْعًا، فَأَثْبَتَهُ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَنَفَاهُ الْبَاقُونَ.
وَقَدِ احْتَجَّ النَّافُونَ لِذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْنَى.