فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ التَّرْجِيحِ مُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُجَدَّدِ مُخَالِفٌ لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ عَلَى الْمَوْضُوعِ الْأَصْلِيِّ.
قُلْنَا: إِلَّا أَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ كَانَتْ فَائِدَةُ لَفْظِ الشَّارِعِ التَّأْكِيدَ بِتَعْرِيفِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لَنَا، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ كَانَتْ فَائِدَتُهُ التَّأْسِيسَ وَتَعْرِيفَ مَا لَيْسَ مَعْرُوفًا لَنَا، وَفَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَصْلٌ، وَفَائِدَةُ التَّأْكِيدِ تَبَعٌ، فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ
إِذَا وَرَدَ لَفْظُ الشَّارِعِ وَلَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٌّ، وَمُسَمًّى شَرْعِيٌّ عِنْدَ الْمُعْتَرِفِ بِالْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ: إِنَّهُ مُجْمَلٌ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ.
وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ: مَا وَرَدَ فِي الْإِثْبَاتِ، فَهُوَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَمَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ فَهُوَ مُجْمَلٌ، وَمِثَالُ ذَلِكَ فِي طَرَفٍ الْإِثْبَاتِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: " «أَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ: لَا، قَالَ: إِنِّي إِذًا أَصُومُ» " (?) فَهُوَ إِنْ حُمِلَ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ بِخِلَافِ حَمْلِهِ عَلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ، وَمِثَالُهُ فِي طَرَفِ النَّهْيِ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، (?) فَإِنَّهُ إِنْ حُمِلَ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ دَلَّ عَلَى تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ لِاسْتِحَالَةِ النَّهْيِ عَمَّا لَا تَصَوُّرَ لِوُقُوعِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا حُمِلَ عَلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ.
وَالْمُخْتَارُ ظُهُورُهُ فِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ فِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ، وَظُهُورُهُ فِي الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ فِي طَرَفِ التَّرْكِ. (?)