الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ
اللَّفْظُ الْوَارِدُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مُجَدَّدٍ، وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ اخْتَلَفُوا فِيهِ.
فَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ: إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ مَزِيَّةٍ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ: إِلَى أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» " (?) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ حُكْمًا فِي الِافْتِقَارِ إِلَى الطَّهَارَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ صَلَاةٌ لُغَةً، وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» " (?) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمَا جَمَاعَةٌ حَقِيقَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ انْعِقَادَ الْجَمَاعَةِ بِهِمَا وَحُصُولَ فَضِيلَتِهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِلْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ: أَمَّا الْإِجْمَالُ فَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا بُعِثَ لِتَعْرِيفِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ لَا لِتَعْرِيفِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ: فَوَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ مَقْصُودِ الْبَعْثَةِ.